في الوقت الذي كانت كانت وكالة الأنباء الرسمية، ومعها بعض الأطراف التي تصف نفسها بالمقربة من حميد الكنوني، يحاولون التعتيم على خبر الضغوط التي تتلقاها عائلة الشهيد من جهات رسمية وتزييف الرواية الأصلية لحيثيات الحدث الجلل، تفاجأت والدة الشهيد صباح اليوم بمجيء مقدم الحي الذي اصطحبها على متن سيارته إلى مخفر الشرطة بمدينة فاس بأمر من والي الأمن . ظلت هنالك لمدة يوم كامل حيث أخبروها مما اخبروها أن السلطة ستتحمل أعباء نقل الجثمان من مدينة البيضاء إلى فاس واشترطوا عليها أن يتم دفنه مباشرة بعد وصوله إلى فاس . في هذه الأثناء كانت تروج بمدينة انباء مفادها أن عمدة المدينة حميد شباط سيتكلف شخصيا بمصاريف الإسعاف، وتبين في ما بعد، بالوثائق والفاتورات، أنها مجرد إشاعات لسبب في نفس جهة ما، لأن السيد العمدة لم يساعد العائلة لا من قريب ولا من بعيد . الحقيقة أن مناضلين شباب من تنسيقية عشرين فبراير هم الذين تحملوا عبئ المصاريف التي قدرت بـ 3700 درهم ـ التوصيل بحوزة التنسيقية ـ حصلوا عليها في ظرف وجيز، من خلال تبرعات عفوية، بعد أن فرضت الإدارة المعنية أداء المبلغ الذكور لتسليم الجثمان لعائلة الكنون يناهيك أن هذه الأخيرة بالكاد تلقت الترخيص الأولي من قبل إدارة المركز الإستشفائي الجامعي ابن رشد حيث لفظ ابنها انفاسه الأخيرة منسيا مهمشا في مصلحة طب الأطفال عوض المصلحة الخاصة بالمرضى المحروقين . ناشطوا تنسيقية البيضاء رافقوا حميد الكنوني إلى فاس على متن سيارة الإسعاف وأزيد من عشر سيارات انضمت للموكب بشكل تلقائي تضامنا مع عائلة الشهيد . بعيد مغادرة الموكب مدينة البيضاء اكتشفنا أن سائق سيارة الإسعاف يتلقى مكالمات من والي أمن فاس يأمره بالإنفصال قدر الإمكان عن الموكب وأن سيارة الشرطة تنتظره في مدخل مدينة فاس، حتى يتمكنوا من توجيه السيارة إلى المقبرة عوض منزل الشهيد حيث كانت تنتظره حشود استجابت لنداء التنسيقية المحلية . سائق سيارة الإسعاف الذي كان يسير بسرعة مرتفعة استطاع أن ينفصل على الكوكبة ويختفي عن أنظارنا ورغم ذلك أصر الناشطون إلا أن يستمروا في طريقهم على أمل الإلتحاق به قبل الوصول إلى فاس . شاءت الأقدار أن يعطل محرك سيارة الإسعاف التي لم تتحمل السرعة (160 كلم/الساعة) بعد كيلومترات من مدينة مكناس لتلتحق بها السيارات الأخرى وكانت عقارب الساعة تقترب من وقت آذان صلاة المغرب. حاول الجميع إصلاح السيارة المعطلة لكن كل المحاولات باءت بالفشل لأن السيارة توقفت فيما بعد أكثر من مرة، فتوقفنا بباحة استراحة لتناول الفطور والإتصال بسيارة اسعاف أخرى . بعد ولوج محطة الإستراحة حضر اربعة اشخاص قدموا أنفسهم بصفتهم رجال درك بزي مدني واستفردوا بمصطفى الكنوني، شقيق الشهيد، ليعود بعد دقائق وعلامات الإرتياح تبدو على محياه، دون أن يكشف عن تفاصيل ما دار بين الطرفين . بعدها مباشرة استفسر رجال الدرك كل الحاضرين عن هوياتهم وبأي صفة يؤازرون عائلة الكنوني، ومعلومات أخرى في ما يشبه استنطاقا بمخفر الشرطة . كانت الأجواء عادية عدا التعب والعياء، لكن أصعب اللحظات في محطة الستراحة كانت لما اشتد الجدال بين الناشطين وسائق سيارة الإسعاف الذي استسلم أخيرا لأداء تكلفة سيارة الإسعاف الثانية التي حضرت إلى عين المكان كما يقتضي القانون . استمر الموكب في طريقه إلى فاس بعد تناول وجبة الإفطار لكن التوتر سيصل إلى أوجه حين اعترضت سيارة الشرطة موكب الجثمان على مشارف مدينة فاس وطالب رجال الأمن من السائق أن يتبع سيارتهم مباشرة إلى المقبرة . هناك احتشد الجميع أمام السيارة الأمامية ، سيارة الإسعاف، وكانوا زهاء الأربعين كلهم من ناشطي عشرين فبراير البيضاء والمتضامنين مع عائلة الكنوني ورددوا شعارات تندد بالحكرة والإهانة.. مما اضطر الأمنيين إلى التراجع عن قرارهم وسمحوا للموكب بالذهاب إلى منزل الشهيد . وصل الكل إلى منزل الكنوني بحي بن دباب بفاس وكانت والدته قد عادت لتوها من مخفر الشرطة تنتظر جثمان ابنها . لاحظنا أن الأم امتنعت عن الحديث إلى الفبرايريين لأنها كانت تعتقد ، كما قيل لها في مخفر الشرطة، أن المخزن هو الذي تحمل "عناء" نقل جثمان ابنها . وقد تبين، بعد أن انفرد بها ابنها مصطفى الذي اخبرها بحقائق الرحلة من ألفها إلى يائها، أن والي الأمن لم يحذرها من الفبرايريين فحسب، بل مارس عليها مختلف انواع الضغط لعدم تاجيل مراسيم الدفن إلى الغد كما أكد ذلك مصطفى الكنوني الذي قال إن والي الأمن طلب منه أن يقول لوسائل الإعلام إن شقيقه كان مختلا عقليا واعترف أنه خلال لقائه برجال الدرك في محطة الإستراحة قبل بدفن شقيقه مباشرة بعد وصوله إلى فاس إلا أنه كما أسر لي لم يجد بدا من الإستجابة لطلب الفبرايريين الذين ساعدوه ووقفوا إلى جانبه وقت الضراء كما قال . استمر النقاش طويلا بين افراد عائلة الشهيد وفي الأخير قرروا دفنه ليلا وعدم التاجيل بعد أن استشارت والدته إحدى الفبرايريات اللاتي تحملن مشقة السفر من البيضاء . ووري حميد الكنوني الثرى قبل ساعة من كتابة هذه السطور في موكب جنائزي حاشد رغم كل المضايقات بحضور أعضاء من تنسيقية بركان وفاس وساكنة المدينة ولم تخل المسيرة الجنائزية من وعيد الأمنيين باعتقال ناشطين من تنسيقية البيضاء كانا قد انتفضا بشدة في وجههم بشدة لما استوقفونا على مشارف فاس.. ومن المحتمل جدا أن يتم اعتقالهما الليلة حسب ما أفادته مصادر موثوقة . لكنهما، لحسن الحظ، الى حدود كتابة هذه السطور على الأقل، ونحن نغادر فاس في طريق العودة الى البيضاء، لا يزالا معنا أحرارا .. اللهم ارحم أخانا حميد واغفر لنا وله وتقبله من الشهداء برحمتك..
