حركة20 فبراير..منعطف تاريخي كبير
بقلم: عبد الرحيم شهبي
يقول بلزاك: "وراء كل ثورة عظيمة جريمة".
وجريمة نظامنا السياسي، وريث الإرث الإمبريالي، تتجلى في ثنائية الاستبداد والفساد:
فالاستبداد عندنا متوحش عار من كل هوامش الحرية والتنمية، إلا الهوامش التي تخدم الجانب الدعائي الفرجوي، الذي لا يعدو أن يكون مجرد ظاهرة صوتية محبطة وتعسفية بامتياز..
فقد عاش "المغرب المستقل"، في شراك سنوات الجمر والرصاص، في العهد السابق، والآن يعيش في زمن العهد الجديد، في أسر سنوات كاتم الصوت- بتعبير الفكاهي المناضل أحمد السنوسي-، برغم كل مزاعم البهرجة الإعلامية الفارغة.. فالحديث عن التغيير يثير الإعجاب في أول الأمر، ولكنه إذا تكرر بدون مصداقية يثير التثاؤب، ويصيب الكائن بالنعاس.
والفساد عندنا عام ومتعفن، قضى على كل إمكانية في التنمية المستدامة، وضرب كل مناعة لحماية المال العام، أو التوزيع العادل للثروة، وساهم في انتشار اقتصاد الريع والنهب الممنهج والرشوة، مع تفشي مبدأ الإفلات من العقاب.. الشيء الذي جعل بلادنا حبلى بالمفارقات؛ أقلية تمرح في غنى فاحش، حصلت وتحصل على الثروة بطرق غير مشروعة، وأغلبية مقصية تطوقها أحزمة البؤس..
ولقد ساهم كل من الاستبداد والفساد في خلق مساحة تجويف هائلة، في كيان الأحزاب السياسية، ومكونات المجتمع المدني، ومكنت الدولة كجهاز قمعي، من بسط سيطرة غير مسبوقة، على كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأسرية..
فالاستبداد والفساد في المحصلة، ليستا سلطة غير قانونية، بل سلطة مضادة للقانون- أي جريمة - ، وقد شكلا الأرضية الموضوعية وراء هذا الانفجار الهائل الذي تهب أعاصره على منطقتنا العربية برمتها، ولا يمثل خطاب الاستثناء المغربي الذي يروج له الخطاب الرسمي، سوى إيديولوجية متهافتة تروم صناعة وهم التميز ليس إلا، باعتبار الاستبداد والفساد يتخذ صورة أقنعة متعددة لوجه واحد، هو وجه الدولة الكليانية الشمولية القمعية، المحتكرة لمرتكزات السلطة التأسيسية والثروة الوطنية ، سواء كانت أنظمة ملكيات تنفيذية، أو أنظمة جملكيات - بتعبير المفكر التونسي المنصف المرزوقي- .
ولأن التعايش مع هكذا استبداد وفساد، كالتعايش مع تمساح جائع، تقدم له في كل يوم قربانا من اللحم البشري، وأنت تعلم أنك ستكون في يوم ما وجبة شهية، يسيل لها لعابه، عندما يأتي دورك - كما تقول الفيلسوفة الألمانية " آرنست حنت "- فقد وصل التراكم حد التحرر من حاجز الخوف، والخروج للشارع العام، بأعداد هائلة، وأشكال غير مسبوقة في المنطقة العربية، معلنة بداية الزمن العربي الراشد المتنور والمتحرر.. وفي خضم هذا البحر الهائج، كان "شباب 20 فبراير"، وكانت ولادته وانبثاقه من رحم المعاناة؛ لأنه قرر أن يخرج من قمقم اليأس القاتل، والصمت المريب، والاستثناء المزعوم.. مستفيدا من الأجواء الثورية العربية العاصفة التي تجتاح المنطقة.. في حين لا يمثل "شباب 9 مارس" إلا ظاهرة سطحية استخدامية، لا يمثل خطابها الهتافي سوى محاولة للتحايل على الطاقة العنفية للدولة – أي هي ولاء ودفاع عن الذات بشكل وصولي وانتهازي، أكثر مما هي ولاء ودفاع عن النظام بشكل مبدئي.
شباب حركة 20 فبراير.. من هم؟.. وماذا يريدون؟
هم شباب مغربي معظمهم لم ينخرط يوما ما في حزب أو أي إطار إيديولوجي.. يمثلون سيولة نضالية، ولا تحتويهم كينونة تنظيمية..
هم شباب عادي أراد أن يرفع صوت الهامش، ليفتح الدائرة على ساكنة أحزمة البؤس.. هم أبناء المغرب السفلي..
هم صوت الشعب المغربي وضميره الذي اغتاله الخطاب الرسمي .. وأقصاه الخطاب الحزبي العدمي والوقوعي.
تتنوع مطالبهم،وتتعدد أصواتهم، لكنهم يجمعهم قاسم مشترك:
مضمونه: السيادة الشعبية الكاملة
وشكله النضالي: الكفاح المدني والاحتجاج السلمي.
ويجمعون على إدانة العنف بكل أشكاله المادية والرمزية، ويعملون بجد على إبراز الخطوط الواصلة بين مكونات الشعب المتنوعة، ويناهضون كل محاولة لحفر الخطوط والأخاديد الفاصلة، بدعوى الوفاء للإيديولوجيات والكيانات السياسية الضيقة، والرؤى المبتسرة التي تريد عادة أن تكره الواقع الحي على التعلب في نمط فكري وسياسي محدد سلفا.. شعارهم في ذلك:" وحدة الصف الوطني للدفاع، ووحدة الهدف\ كرامة،حرية،عدالة.. للهجوم".
التغيير الذي ينشدون هو تغيير سلمي لا عنفي، داخلي لا خارجي، ثوري لا ترقيعي، شامل لا جزئي، وحقيقي لا شكلي..
هم لا يطالبون.. لا ينتظرون.. ولا يناشدون أحدا، بل يناضلون ويكافحون ويصرخون بأعلى أصواتهم:
حقنا في العدالة ليس منحة.. حقنا في تكافؤ الفرص في الثروة الوطنية والمساواة القانونية ليس كرما ..حقنا في رفع الوصاية عن الشعب ليست هبة .. حقنا في الديمقراطية الكاملة غير المنقوصة لا يمكن تفويته ولا تقويده.. فحقوقنا نمارسها ولا نطالب بها.
هم لا يرضون بما يسمى بديمقراطية التقسيط أو الجرعات، فلا يجوز الاستمرار في المطالبة والاستجداء بغرام ديمقراطية، ونصف غرام شفافية، وغرام ونصف عدالة اجتماعية...الخ ، كما تفعل الأحزاب الشائخة.. فمعركة الديمقراطية لا يمكن تجزيئتها ولا تفتيتها.
يؤمنون بحتمية وقدرية الانتصار، فمعارك الشعوب لا يمكن قهرها.. مستعدون للتضحية، لأن طريق التغيير والثورة مليئة بالأشواك.. ويجمعون بين العقل الذكي والقلب الحار.
لا يريدون ترميز أحد، يريدون أن يصنعون مستقبلا لشعبنا، بصراحة يريدون تسطيح الهرم.. فالزعيم الذي نحتاجه جميعا، والقادر على تحقيق أهدافنا هو إرادتنا الواعية والفاعلة، المنفتحة على نظام سياسي تعاقدي ديمقراطي، يسمح بإمكانية التداول السلمي على ممارسة السلطة لا مجرد خدمتها.
الثورة التي يريدون لا توجد في المعاجم وكتب التاريخ، لأنهم لا يريدون الاستيلاء على السلطة، أو أن يكونوا سلطة بديلة، بل يريدون تحرير الشعب، وإطلاق طاقاته المبدعة.
بعيون حداثية، متشبثة ب"روح الحداثة" لا بمظاهرها وقشورها، يقرؤون كيف تتحوّل الثورات العلمية والتكنولوجية دائما إلى حدث سياسي مزلزل.. "فبعد الثورة الكوبرنيكية سقطت الأنظمة السياسية القروسطية في أوروبا.. وبعد الثورة الصناعية تفجرت الثورات الاجتماعية.. والآن جاء دور الثورة الاتصالية لتفرز ما نشهده من ثورات في المنطقة العربية".
"عبورهم من الافتراضي إلى السوسيولوجي احتكم إلى إرادة والى منظومة قيمية اكتمل بهما التفاعل الكيميائي للثورة.. وفي الوقت الذي ثقلت فيه يد الدكتاتورية على رقاب شعوبنا وأمتنا.. نشئوا كجيل بين صفحات تواصلية على الفايس بوك وغيره من المواقع الافتراضية في شبكة النات.. بدأ فعلهم التواصلي بسيطا وسطحيا بدردشات أو معاكسات.. لكنه انتهى فعلا تغييريّا عظيما في التاريخ المعاصر".
كانوا واعين بأن الانترنت قد غير صورة العالم تغييرا جذريا.. تولد عنه عالم جديد في صورته وطبيعته، ومن مظاهر هذا العالم الجديد خلق نمط جديد من البناء التنظيمي، يتسم بخصائص التالية:
-كما يحددها الدكتور محمد بلمختار الشنقيطي-
أولا: اختزال الزمان، فالرسالة التي كانت تصل في شهر، أو في أسبوع، أصبحت تصل في ثوان معدودة، فلم تعد هناك أزمة في التواصل، ولم يعد بالإمكان احتكار المعرفة، أو منع المعلومة أو الخبر من التداول العام.
ثانيا: اختزال المكان، بحيث لم يعد بناء التنظيم وفعاليته يستلزمان وجودا ماديا لأفراده - ولا حتى لقادته - في حيز جغرافي واحد، أو في دولة واحدة. بل أصبح من الممكن بناء تنظيمات ناجحة هيكلا وأداء من أفراد يعيشون في بلدان مختلفة، وتفصل بينهم مسافات شاسعة.
ثالثا: فلم تعد القوة هي عنصر الحسم، ولم تعد الثروة هي المحدد في المعادلة، بل صارت المعرفة هي عنوان التدافع والمغالبة.
ختاما:
حركة شباب 20 فبراير حركة تحررية وطنية:
- تريد تحقيق "مفهوم الاستقلال الثاني".
- تعرف أن المعارضة مفهوم لا معنى له إلا في نظام ديمقراطي، أما النظم الاستبدادية فلا ينفع معها إلا المقاومة المدنية الجذرية.
- تعمل من أجل تتجاوز ثنائية: العبد المهزوم والسيد المنتشي، فالتبعية هي الطريق المختصرة نحو العبودية.. وتعيد جدل التدافع والصراع الذي حاولت فلسفات " نهاية التاريخ " أن تجعل له نهاية وحدا.
فخطاب "حركة 20 فبراير" يمثل منعطفا تاريخا وطنيا جديدا، يطوي صفحة الضعفاء الذين يقابلون مصائب الوطن بالبكاء، وصفحة الجبناء الذين ينهزمون قبل المعركة، وصفحة الانتهازيين الذين يأكلون من خبز السلطان، ويقاتلون بسيفه.
ويمثل وعيا وطنيا تجاوز سياسة الإبر والحقن السياسية الرسمية، التي تمثل إستراتيجية مخزنية تروم تجفيف منابع التوترات الاجتماعية والاحتجاجات السياسية، بدون مكاسب نوعية.
الجديدة في 28-03-2011
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][img][/img][img][/img]