شهدت منطقة الريف منذ أواخر القرن التاسع عشر سلسلة من الأحداث الدموية ذهب ضحيتها مئات آلاف من سكان المنطقة، ففي سنة 1893 خلال معركة سيدي ورياش بين قبائل إقلعين والاحتلال الاسباني حول استرجاع مدينة مليلية، تحالف المخزن مع الاستعمار الاسباني، وهجمت منطقة إقلعين من أرضها بمليلية الذي كان يتواجد فيها المخزني المدعو مولاي عرفة الذي قام بإبادة و"تأديب" هذه المنطقة وأرغمها عن التخلي عن جزء من أرضها، ثم بعدها أبرمت اتفاقية بين المخزن والحكومة الاسبانية سنة 1894 التي جاءت بعض بنوده على ما يلي:
- التزام المخزن بتأديب قبيلة إقلعين
- تجريد المنطقة المحايدة للمليلية وحمايتها من طرف المخزن
- غرامة حربية تقدر ب 20 مليون بسيطة تدفعها قبيلة إقلعين لاسبانيا
وبعد أربع سنوات على ذلك، عاد المخزن الفاسي إلى الريف، وهذه المرة بقيادة السفاح بوشتى البغدادي الذي أباد قبيلة إيبقيون وفرض حصارا اقتصاديا على قبائل الريف الأوسط، لا لشيء سوى أنهم دافعوا عن شواطئهم وأراضهم ضد الأطماع الأوربية. وبعد مجازر بوشتى البغدادي بدأ التوغل الاسباني في الريف بموجب اتفاقية أبرمت سنة 1900 بين المخزن واسبانيا، التي أدت إلى اندلاع الحرب التحريرية الأولى بالريف بقيادة محمد أمزيان الذي استشهد في سنة 1912، وهي السنة التي اكتملت فيها الاتفاقية الأولى وظهور ما يعرف بالحماية الفرنسية الاسبانية للكيان المخزني، وبعدها وبالضبط سنة 1921 قاد الثائر الريفي مولاي محند، أبرز قائد لحركات التحرر في العالم، الحرب التحريرية الثانية على الاستعمار الثلاثي الاسباني والفرنسي والمخزني.
وقام بتنظيم شؤون الريف سياسيا واقتصاديا جاعلا من خصوصيات المنطقة أساسا لدولة الريف، مما أثار مخاوف المخزن وتحالفه بشكل فعلي وقوي مع المستعمرين الاسباني والفرنسي، لتشهد المنطقة حربا قذرة ومسرحا للجريمة الدولية النكراء بمباركة وموافقة المخزن المتمثلة في ضربها بالغازات السامة المحظورة دوليا، والتي تعرف محليا باسم "arpac". وبقيت هذه الغازات السامة تقذف في الريف إلى غاية مجازر سنة 1926 عقب الهجوم الثلاثي العدواني على الريف وسقوط جمهورية الريف، وبعد نهاية حرب الريف جاء دور "الحركة اللاوطنية" بقيادة عبد الخالق الطريس الذي قام بتدجين وتوريط أبناء الريف وجنوب المغرب في المشاركة في الحرب الأهلية الاسبانية سنة 1936 مع الديكتاتور فرانكو، حيث قام عبد الخالق الطريس بإرسال الآلاف من الريفيين للقتال في صفوف الجيوش الفرنكاوية (Regulares ). وبعد نهاية فترة الاستعمار تعرضت منطقة الريف مرة أخرى لموجة قمع شرس رافقتها الحملة الإرهابية لسنوات 1958 و 1959 «Asegwas Iqabberen " عقب حصول المخزن وميلشيات حزب الاستقلال على الضوء الأخضر من فرنسا للقيام بالأفعال الشنيعة جدا المتجلية في القتل الجماعي الذي لم يستثن منها الأطفال والشيوخ والنساء، والاغتصاب الجماعي لنساء وفتيات المنطقة بشكل وحشي وهمجي. والاعتقالات العشوائية والتعسفية لأبناء المنطقة إضافة إلى الاختطافات، والاغتراب الاضطراري، وسرقة الممتلكات من أصحابها.. وكل هذا كان تحت ولي العهد آنذاك (الحسن الثاني) وطغاة حزب الاستقلال، وعلاوة على ذلك، عرفت هذه الحملة الإرهابية مشاركة الطيران الفرنسي والامريكي (كانت لهم قواعد عسكرية آنذاك بالمغرب) في القصف العشوائي لقرى ومداشر الريف في خريف 1959. ومازال سكان الريف الذين ضحوا بالغالي والنفيس دفاعا عن مطالب الريف التاريخية والعادلة التي من بينها «تسيير الريف من طرف الريفيين » يتذكرون جيدا تلك المجازر الوحشية الراسخة في ذاكرتهم بالصوت والصورة والصعبة النسيان لمن عايشها، إذ كيف سينسى سكان الريف بشاعة الاغتصاب العنفي والقسري وقنابل النابلم التي كانت تقصف بها قرى الريف بقيادة الحسن الثاني والجينرال أوفقير. وكل هذا شكل لدى سكان الريف إحساسا سكيولوجيا يتمثل في عدم الثقة في الدولة المركزية ورفض لجميع مؤسساتها التي تقوم أصلا على سياسة الريفوبيا. وهو ما بدا واضحا في الاحتجاج الشعبي على إقصاء الريف في أحداث الخميس الأسود (19 يناير 1984) بالناظور، الذي كان من بين ما رفعه وهتفه المحتجون في انتفاضة الخبز والحرية «الاختيار الجهوي الديمقراطي »، لكن رد المخزن جاء مغايرا ودمويا، حيث ذهب ضحيته أزيد من 400 شهيد إضافة إلى وصف رئيس الدولة آنذاك سكان الناظور بالأوباش وأخرج هؤلاء المواطنين من «دستور الرعايا » وبعدها جاءت محطة 1987. ليعود المخزن الرباطي مرة أخرى إلى الريف. وهذه المرة كان تعامل المعسكر المخزني أقل حدة من مجازر شتاء 58 وخريف 59 ويناير 84. بحيث ذهب ضحية انتفاضة87 التلميذان سعيد وأكروح فريد اللذان استشهدا بإعدادية إمزورن (إقليم الحسيمة). وبها توقفت الحملات العسكرية المخزنية الدموية بالريف، الذي أصبح منطقة تمرد ومأوى للأوباش في القاموس السياسي للمخزن.
وهذا الأخير يبدو أنه أصيب بمرض الحساسية اتجاه الريف، ويعيش عقدة نفسية مزمنة اتجاه أبنائها، فالراحل الحسن الثاني لم يتجرأ على زيارة الريف الأوسط إلا مرة واحدة سنة 1959 لقمع الانتفاضة الشعبية، كما أنه لم يسبق له أن زار هولندا، لما تشكله من ثاني أكبر تجمع ريفي بعد الموطن الأصلي بالريف، ويبدو سبب ذلك، هو خشيته وهروبه من احتمال وقوع احتجاجات ومظاهرات للجالية الريفية المقيمة بهولندا، وتجنبا للإحراج أمامها.
أما في العهد الجديد، فمازالت عقلية المخزن التقليدي لم تتغير، بحيث أن عقب كل زيارة رسمية للريف، إلا وتشهد المنطقة حالة طوارئ غير معلنة من خلال ما نشاهده من جيوش كثيرة ومختلف الآليات العسكرية الثقيلة من دبابات ومدافع وأساطيل حربية وكأن المنطقة في حالة حرب وغزو، والتي تذكر سكان الريف بعام إقبارن.
بهذا الشكل أصبح الريف خاضعا لحالة استثناء غير معلنة، محكوما بالقبضة الحديدية لأعوان السلطات المركزية، والتي أكدها مؤخرا «الصحاف » المغربي عندما قال إبان غضب الطبيعة والمنكوبين بزلزال الحسيمة إن الوضع تحت السيطرة «بهذه العقلية الأمنية الاحتقارية المقصودة من قبل السلطات المركزية لاعتبارات وحساسيات خاصة بالريف تركت الدولة المركزية منطقة الريف خارج أجندتها الاقتصادية وفرضت عليها التهميش المتعدد الأوجه والأشكال ذات أبعاد أمنية منذ عقود طويلة، وضمن هذا السياق يقول إلياس العماري القريب من الدولة إن «الحسن الثاني كان يكره الريف الذي انتفض ضده، ولم يفعل أي شيء للمنطقة منذ سنة 1956 »