أنواع الاحتلال شتى منها الماديّ ومنها المعنوي.
- المدن والقرى والأحياء تُحتلّ بالعسكر المدججين بالأسلحة.
- العقول تحتلُّ بالأفكار.
- القلوب تحتلّ بالعقائد والمشاعر .
- النفوس تحتلّ بالأهواء .
وقد دأب المحتلون عبر العصور على ممارسة أنواع الاحتلال كلها أو جلّها حسب الحاجة وحسب طبيعة المحتل وحسب طبيعة البلد الواقع تحت الاحتلال وحسب الظروف التي تحكم الفريقين، الجهة الغازية والجهة المغزوة.
الصليبيون احتلوا القدس مدّة تقارب تسعين عاماً كما احتلوا مناطق واسعة من بلاد الشام. و قد مارسوا في البلاد التي احتلوها نمطاً من الاحتلال قائماً على الإفناء والاستئصال لسكان البلاد الأصليين، والحلول محلهم فيما يسمّى " الاحتلال الاستيطاني ".
ولم يكونوا بحاجة إلى غزو عقول الناس وقلوبهم ونفوسهم بسبب طبيعة الاحتلال الاستيطاني من ناحية، وبسبب عجز الغزاة عن احتلال المغزيين ( معنويا ) لأن المغزيين كانوا أقوى منهم من هذه الناحية. وقد ظلت هذه القوة المعنوية عاملَ إثارة وتحريض وتحفيز ضدّ الغزاة حتى قيّض الله قادة أفذاذاً مؤهلين لطرد الغزاة المحتلين، وأبرزهم صلاح الدين الأيوبي.
والفرنسيون في العصر الحديث احتلوا عدداً من البلدان العربيّة الإسلاميّة. احتلوا الجزائر وضموها إلى فرنسا، ومارسوا عليها سائر أنواع الاحتلال المادي والمعنوي. إلا أن احتلالهم ظلّ واضحاً مكشوفاً لأهل البلاد الذين قاوموه على فترات متعاقبة، وكانت آخرها المرحلة التي انتهت بتحرير الجزائر وجلاء القوات الأجنبية بعد أن ضحت الجزائر بما يقارب مليون شهيد في النصف الأول من عقد الستينات من القرن العشرين .
واحتل الانجليز مصر وظلوا فيها قرابة ثمانين عاماً. وحاولوا أن يمارسوا فيها سائر أنواع الاحتلال المعنوي " الفكري والنفسي " إلى جانب الاحتلال المادي. إلاّ أن تماسك الشخصية المصرية المسلمة وصلابتها ووضوح الأهداف الاستعمارية. كلّ ذلك حصّن عقل المصريّ وقلبه ونفسيته ضد الاحتلال المعنوي، فاستمر الرفض واستمرت المقاومة ضدّ هذا الاحتلال حتى جلا المحتل عن البلاد.
كما احتلت كل من بريطانيا وفرنسا بلاد الشام والعراق بعد الحرب العالميّة الأولى. إلاّ أن أيّاً من الدولتين المحتلتين لم تتمكن من فرض احتلال معنويّ على الدول التي احتلتها، وظلّت المقاومة تثور وتهدأ ضدّ الاحتلال حتى نالت الدول المستعمَرة استقلالها بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية.
وأنواع الاحتلالات التي مارستها الدول بعضها ضدّ بعض في سائر أنحاء العالم كثيرة متنوعة الأهداف والأساليب والنتائج.
إلاّ أنها كلّها أو جلّها كان يربط بينها رابط واحد، هو أنها احتلالات مكشوفة معروفة لأبناء البلاد الواقعة تحت نير الاحتلال. و بناء على ذلك كانت مقاومتها من قبل أهل البلاد مشروعة ويراها الكثيرون واجبا دينياً أو وطنياً.
أمّا الاحتلال الأخبث والأخطر فهو الاحتلال الحديث، وهو صناعة أمريكية بامتياز. إنه الاحتلال " المستور ". الاحتلال عبر أبناء البلاد أنفسهم:
أما الاحتلال الحديث والمزدوج يصطنع لنفسه وكلاء في البلاد التي يريد احتلالها. يسميهم حكّاماً. يعينهم على إجراء انقلابات عسكرية في بلادهم فيستلمون السلطة السياسيّة ويعطلون الدساتير بداية ثم بعد أن يستقر حكمهم للبلاد يفصّلون لها دساتير جديدة على مقاساتهم تشرّع حكمهم ظاهريّاً. ويصنعون جيوشاً جديدة من قوى الأمن والميليشيات الخاصة لحماية كراسيهم. ويبتكرون أنواعاً من " الديمقراطية " الشكليّة التي تعزز وجودهم " أدبيّاً ". ويصطنعون أحزاباً هزيلة يشكلون معها تكتلات " جبهوية "، صورية هي نوع من الديكورات. ويباشرون بمحاججة الناس الذين ينادون بالديمقراطية والتعددية الحزبية لسحب البساط من تحت أرجل هؤلاء والاستئثار بالسلطة الأبدية في البلاد و خير مثال واقعي على ما نقوله احتلال العراق.
و الأمريكي يرى هذا كله بل يشارك في تصميمه وتنفيذه وإخراجه ودعمه وحمايته.
والمواطن يرى حريته تسلب وثروات بلاده تنهب وقرارات دولته ترهن لدى الأعداء. ولا يستطيع أن يحرّك ساكناً لماذا ؟
لأن حكومته " وطنيّة "!
إن احتج على ما تفعله بالبلاد والعباد حُبس أو نُفي أو أعدم بتهمة الخيانة ! وأقرب تهمة تلصق به هي تهمة " العمالة " ولمن ؟
لأمريكا يا للطرافة !
وإن فكّر بالمقاومة المسلّحة كما يقاوم الاستعمار فالطامة أكبر، والكارثة أخطر!
إنه مجرم يحمل السلاح ضدّ " حكومته الوطنيّة " أو إرهابي تنظيم القاعدة. وبعض" الفقهاء " الذين تصنعهم هذه الحكومات الوطنيّة، يسمّي هذه المقاومة " خروجاً على طاعة ولي الأمر " ! ويسمّي المقاومين " خوارج "، بل محاربين لله ورسوله يجب أن " يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. أو ينفَوا من الأرض "
هكذا وليّ الأمر!.
و تجيّش ضدّ " الخارجيّ المارق " سائر أجهزة الدولة من جيش وقوى أمن وأجهزة إعلام وكتّاب وصحفيين مرتبطين بـ " وليّ الأمر الملك الحاكم الرئيس". فإن استمرّ في المقاومة خاض بحاراً من الدماء، دماء الناس الذين تجنّدهم السلطات من أبناء شعبه ووطنه. وإن ظلّ ساكناً ظلّ يحترق وهو يرى سائر أنواع المخازي الوطنيّة والخلقيّة و اللا إنسانية ترتكب في بلاده بل يرى بلاده تضيع وشعبه يذبح ويقدّم لحمه للغرباء !.
إنه احتلال شنيع، من النوع الذي لا يطاق ولا يمكن تخيّله عند إنسان حرّ ذي كرامة وإباء، لماذا ؟ لأنه احتلال غير قابل للمقاومة ولأنه احتلال مزدوج:
- العدوّ يحتل البلاد عبر وكلائه " الملوك الحكّام السادة أولياء الأمر"!
- والحكام يحتلون البلاد فينهبونها ويعيثون فيها فساداً لحسابهم ولحساب السيّد الذي وكلهم وحماهم وسمّاهم حكّاماً! وصارت عساكره في ظلّ حكمهم تجوس خلال الديار باسم " المعاهدين "
و " المستأمنين ".
كان الأكاسرة والقياصرة يختارون وكلاء لهم من القبائل العربيّة يسمونهم " ملوكاً " ويسلمونهم مناطق على أطراف إمبراطورياتهم كملوك الغساسنة على أطراف الشام، وملوك المناذرة على أطراف العراق .
وكانت مهمّات أولئك الوكلاء " الملوك " واضحة و بسيطة :
ضبط الأمن على حدود الإمبراطورية وإخضاع القبائل التي قد تفكر بالاعتداء على مصالح الإمبراطورية أو رعاياها. أو تهدّد قوافلها التجارية إضافة إلى تجنيد بعض رجال القبائل في حروب كسرى ضدّ قيصر، أو قيصر ضدّ كسرى.
ولم يكن مطلوباً من ملوك الأمس الوكلاء إفساد الدين والخلق والمروءة لدى الشعوب الخاضعة لحكمهم. كما لم يكن مطلوباً من هؤلاء الوكلاء الملوك نهب ثروات البلاد والعباد، وإحصاء أنفاس البشر وإطلاق أيدي القياصرة والأكاسرة في مراقبة كل حركة وسكنة لكل فرد في القبيلة حتى داخل بيوت الناس وغرف نومهم.
و ربما تحدث حالات طائفة و نادرة جدا للمجرمين الذين يشكلون خطرا على قيصر أو كسرى أو الإمبراطورية.
والاحتلال المباشر أرحم من الاحتلال المزوج أو غير مباشر وهو أن يقوم المحتل بتنصيب ملك أو حاكم تابع لهم ويفهم التابع أن كل ما في البلاد من خيرات أو عباد هي ملك صرف للملك أو الحاكم. والتابع هو ملك صرف للمحتل. ففي هذه الحالة يكون الرق والعبيد في زمن الجاهلية أرحم وأفضل بكثير من عبيد هذا الزمن. ورب من يقول ليس هنالك رق أو عبيد في عصرنا، نعم ظاهرا ولكن الحقيقة أن كل الشعوب التي يحكمها الملوك هي شعوب مستعبدة ومغلوبة على أمرها وأقل درجة من العبيد و أن صنف مواطن الدرجة الأولى هو ابن البلد يكون معدوما حتى على الملك والحاكم. المحتل مواطن من الدرجة الأولى الملك والحاكم درجة ثانية والشعب يكون من الدرجة الثالثة.
هناك أنواع من الاحتلالات منها الاحتلال العسكري الذي يحتل الأرض ومقدرات الشعب والموارد وأرزاق الناس ولكن بعد برهة من الزمان ثبت أن أصحاب هذا الاحتلال يرون أنه حان الوقت للخروج من هذا البلد أو ذاك فيخرجوا وبخروجهم من جسم البلد يخرجون أيضا من جسم الشعب ولا يبقى من احتلالهم إلا ما بقى من حطام الأسلحة وجثث السيارات العسكرية في مزابل البلد ومزابل التاريخ.
ويعتبر هذا الاحتلال مع كل ضرره ليس بالاحتلال الأخطر على الشعب الواحد، حيث يمكن لهذا الاحتلال أن يخرج من خلال وحدة الشعب ورص صفوفه الثورة التحررية في مواجهة هذا الاحتلال. ورأينا كيف خرج المحتلون الفرنسيون والبريطانيون و حتى الأمريكان أخيرا من المناطق التي احتلوها أو يحتلونها فعلا. وكما شاهدنا، خروج المحتل العسكري من بعض البلدان والأقطار التي احتلها لم يبقى خلفه سوى الذكريات والقصص سواْء كانت الذكرى مرة أم حلوة. وكل سردنا شامل للشعوب المحتلة الغير منتمية لأحزاب سياسية من اختراع وابتكار المحتل وإما الشعوب المبتلية بهذه الأحزاب علمانية أو دينية ولكون العالم قطب واحد فلا يمكن أن تنشر الأفكار المخالفة لهذا القطب فيكون شعوب هذه الدول المبتلية مواطنين من الدرجة الرابعة وهي أدنى الدرجات وهم كما وصفهم الباري عزوجل كأنهم خشب مسندة.
الاحتلال المزدوج
أنواع الاحتلال شتى منها الماديّ ومنها المعنوي.
- المدن والقرى والأحياء تُحتلّ بالعسكر المدججين بالأسلحة.
- العقول تحتلُّ بالأفكار.
- القلوب تحتلّ بالعقائد والمشاعر .
- النفوس تحتلّ بالأهواء .
وقد دأب المحتلون عبر العصور على ممارسة أنواع الاحتلال كلها أو جلّها حسب الحاجة وحسب طبيعة المحتل وحسب طبيعة البلد الواقع تحت الاحتلال وحسب الظروف التي تحكم الفريقين، الجهة الغازية والجهة المغزوة.
الصليبيون احتلوا القدس مدّة تقارب تسعين عاماً كما احتلوا مناطق واسعة من بلاد الشام. و قد مارسوا في البلاد التي احتلوها نمطاً من الاحتلال قائماً على الإفناء والاستئصال لسكان البلاد الأصليين، والحلول محلهم فيما يسمّى " الاحتلال الاستيطاني ".
ولم يكونوا بحاجة إلى غزو عقول الناس وقلوبهم ونفوسهم بسبب طبيعة الاحتلال الاستيطاني من ناحية، وبسبب عجز الغزاة عن احتلال المغزيين ( معنويا ) لأن المغزيين كانوا أقوى منهم من هذه الناحية. وقد ظلت هذه القوة المعنوية عاملَ إثارة وتحريض وتحفيز ضدّ الغزاة حتى قيّض الله قادة أفذاذاً مؤهلين لطرد الغزاة المحتلين، وأبرزهم صلاح الدين الأيوبي.
والفرنسيون في العصر الحديث احتلوا عدداً من البلدان العربيّة الإسلاميّة. احتلوا الجزائر وضموها إلى فرنسا، ومارسوا عليها سائر أنواع الاحتلال المادي والمعنوي. إلا أن احتلالهم ظلّ واضحاً مكشوفاً لأهل البلاد الذين قاوموه على فترات متعاقبة، وكانت آخرها المرحلة التي انتهت بتحرير الجزائر وجلاء القوات الأجنبية بعد أن ضحت الجزائر بما يقارب مليون شهيد في النصف الأول من عقد الستينات من القرن العشرين .
واحتل الانجليز مصر وظلوا فيها قرابة ثمانين عاماً. وحاولوا أن يمارسوا فيها سائر أنواع الاحتلال المعنوي " الفكري والنفسي " إلى جانب الاحتلال المادي. إلاّ أن تماسك الشخصية المصرية المسلمة وصلابتها ووضوح الأهداف الاستعمارية. كلّ ذلك حصّن عقل المصريّ وقلبه ونفسيته ضد الاحتلال المعنوي، فاستمر الرفض واستمرت المقاومة ضدّ هذا الاحتلال حتى جلا المحتل عن البلاد.
كما احتلت كل من بريطانيا وفرنسا بلاد الشام والعراق بعد الحرب العالميّة الأولى. إلاّ أن أيّاً من الدولتين المحتلتين لم تتمكن من فرض احتلال معنويّ على الدول التي احتلتها، وظلّت المقاومة تثور وتهدأ ضدّ الاحتلال حتى نالت الدول المستعمَرة استقلالها بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية.
وأنواع الاحتلالات التي مارستها الدول بعضها ضدّ بعض في سائر أنحاء العالم كثيرة متنوعة الأهداف والأساليب والنتائج.
إلاّ أنها كلّها أو جلّها كان يربط بينها رابط واحد، هو أنها احتلالات مكشوفة معروفة لأبناء البلاد الواقعة تحت نير الاحتلال. و بناء على ذلك كانت مقاومتها من قبل أهل البلاد مشروعة ويراها الكثيرون واجبا دينياً أو وطنياً.
أمّا الاحتلال الأخبث والأخطر فهو الاحتلال الحديث، وهو صناعة أمريكية بامتياز. إنه الاحتلال " المستور ". الاحتلال عبر أبناء البلاد أنفسهم:
أما الاحتلال الحديث والمزدوج يصطنع لنفسه وكلاء في البلاد التي يريد احتلالها. يسميهم حكّاماً. يعينهم على إجراء انقلابات عسكرية في بلادهم فيستلمون السلطة السياسيّة ويعطلون الدساتير بداية ثم بعد أن يستقر حكمهم للبلاد يفصّلون لها دساتير جديدة على مقاساتهم تشرّع حكمهم ظاهريّاً. ويصنعون جيوشاً جديدة من قوى الأمن والميليشيات الخاصة لحماية كراسيهم. ويبتكرون أنواعاً من " الديمقراطية " الشكليّة التي تعزز وجودهم " أدبيّاً ". ويصطنعون أحزاباً هزيلة يشكلون معها تكتلات " جبهوية "، صورية هي نوع من الديكورات. ويباشرون بمحاججة الناس الذين ينادون بالديمقراطية والتعددية الحزبية لسحب البساط من تحت أرجل هؤلاء والاستئثار بالسلطة الأبدية في البلاد و خير مثال واقعي على ما نقوله احتلال العراق.
و الأمريكي يرى هذا كله بل يشارك في تصميمه وتنفيذه وإخراجه ودعمه وحمايته.
والمواطن يرى حريته تسلب وثروات بلاده تنهب وقرارات دولته ترهن لدى الأعداء. ولا يستطيع أن يحرّك ساكناً لماذا ؟
لأن حكومته " وطنيّة "!
إن احتج على ما تفعله بالبلاد والعباد حُبس أو نُفي أو أعدم بتهمة الخيانة ! وأقرب تهمة تلصق به هي تهمة " العمالة " ولمن ؟
لأمريكا يا للطرافة !
وإن فكّر بالمقاومة المسلّحة كما يقاوم الاستعمار فالطامة أكبر، والكارثة أخطر!
إنه مجرم يحمل السلاح ضدّ " حكومته الوطنيّة " أو إرهابي تنظيم القاعدة. وبعض" الفقهاء " الذين تصنعهم هذه الحكومات الوطنيّة، يسمّي هذه المقاومة " خروجاً على طاعة ولي الأمر " ! ويسمّي المقاومين " خوارج "، بل محاربين لله ورسوله يجب أن " يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. أو ينفَوا من الأرض "
هكذا وليّ الأمر!.
و تجيّش ضدّ " الخارجيّ المارق " سائر أجهزة الدولة من جيش وقوى أمن وأجهزة إعلام وكتّاب وصحفيين مرتبطين بـ " وليّ الأمر الملك الحاكم الرئيس". فإن استمرّ في المقاومة خاض بحاراً من الدماء، دماء الناس الذين تجنّدهم السلطات من أبناء شعبه ووطنه. وإن ظلّ ساكناً ظلّ يحترق وهو يرى سائر أنواع المخازي الوطنيّة والخلقيّة و اللا إنسانية ترتكب في بلاده بل يرى بلاده تضيع وشعبه يذبح ويقدّم لحمه للغرباء !.
إنه احتلال شنيع، من النوع الذي لا يطاق ولا يمكن تخيّله عند إنسان حرّ ذي كرامة وإباء، لماذا ؟ لأنه احتلال غير قابل للمقاومة ولأنه احتلال مزدوج:
- العدوّ يحتل البلاد عبر وكلائه " الملوك الحكّام السادة أولياء الأمر"!
- والحكام يحتلون البلاد فينهبونها ويعيثون فيها فساداً لحسابهم ولحساب السيّد الذي وكلهم وحماهم وسمّاهم حكّاماً! وصارت عساكره في ظلّ حكمهم تجوس خلال الديار باسم " المعاهدين "
و " المستأمنين ".
كان الأكاسرة والقياصرة يختارون وكلاء لهم من القبائل العربيّة يسمونهم " ملوكاً " ويسلمونهم مناطق على أطراف إمبراطورياتهم كملوك الغساسنة على أطراف الشام، وملوك المناذرة على أطراف العراق .
وكانت مهمّات أولئك الوكلاء " الملوك " واضحة و بسيطة :
ضبط الأمن على حدود الإمبراطورية وإخضاع القبائل التي قد تفكر بالاعتداء على مصالح الإمبراطورية أو رعاياها. أو تهدّد قوافلها التجارية إضافة إلى تجنيد بعض رجال القبائل في حروب كسرى ضدّ قيصر، أو قيصر ضدّ كسرى.
ولم يكن مطلوباً من ملوك الأمس الوكلاء إفساد الدين والخلق والمروءة لدى الشعوب الخاضعة لحكمهم. كما لم يكن مطلوباً من هؤلاء الوكلاء الملوك نهب ثروات البلاد والعباد، وإحصاء أنفاس البشر وإطلاق أيدي القياصرة والأكاسرة في مراقبة كل حركة وسكنة لكل فرد في القبيلة حتى داخل بيوت الناس وغرف نومهم.
و ربما تحدث حالات طائفة و نادرة جدا للمجرمين الذين يشكلون خطرا على قيصر أو كسرى أو الإمبراطورية.
والاحتلال المباشر أرحم من الاحتلال المزوج أو غير مباشر وهو أن يقوم المحتل بتنصيب ملك أو حاكم تابع لهم ويفهم التابع أن كل ما في البلاد من خيرات أو عباد هي ملك صرف للملك أو الحاكم. والتابع هو ملك صرف للمحتل. ففي هذه الحالة يكون الرق والعبيد في زمن الجاهلية أرحم وأفضل بكثير من عبيد هذا الزمن. ورب من يقول ليس هنالك رق أو عبيد في عصرنا، نعم ظاهرا ولكن الحقيقة أن كل الشعوب التي يحكمها الملوك هي شعوب مستعبدة ومغلوبة على أمرها وأقل درجة من العبيد و أن صنف مواطن الدرجة الأولى هو ابن البلد يكون معدوما حتى على الملك والحاكم. المحتل مواطن من الدرجة الأولى الملك والحاكم درجة ثانية والشعب يكون من الدرجة الثالثة.
هناك أنواع من الاحتلالات منها الاحتلال العسكري الذي يحتل الأرض ومقدرات الشعب والموارد وأرزاق الناس ولكن بعد برهة من الزمان ثبت أن أصحاب هذا الاحتلال يرون أنه حان الوقت للخروج من هذا البلد أو ذاك فيخرجوا وبخروجهم من جسم البلد يخرجون أيضا من جسم الشعب ولا يبقى من احتلالهم إلا ما بقى من حطام الأسلحة وجثث السيارات العسكرية في مزابل البلد ومزابل التاريخ.
ويعتبر هذا الاحتلال مع كل ضرره ليس بالاحتلال الأخطر على الشعب الواحد، حيث يمكن لهذا الاحتلال أن يخرج من خلال وحدة الشعب ورص صفوفه الثورة التحررية في مواجهة هذا الاحتلال. ورأينا كيف خرج المحتلون الفرنسيون والبريطانيون و حتى الأمريكان أخيرا من المناطق التي احتلوها أو يحتلونها فعلا. وكما شاهدنا، خروج المحتل العسكري من بعض البلدان والأقطار التي احتلها لم يبقى خلفه سوى الذكريات والقصص سواْء كانت الذكرى مرة أم حلوة. وكل سردنا شامل للشعوب المحتلة الغير منتمية لأحزاب سياسية من اختراع وابتكار المحتل وإما الشعوب المبتلية بهذه الأحزاب علمانية أو دينية ولكون العالم قطب واحد فلا يمكن أن تنشر الأفكار المخالفة لهذا القطب فيكون شعوب هذه الدول المبتلية مواطنين من الدرجة الرابعة وهي أدنى الدرجات وهم كما وصفهم الباري عزوجل كأنهم خشب مسندة.
للكاتب شهيد لحسن امباركي