hhicham
عدد المساهمات : 18 العمر : 42 الموقع : بروكسيل
| | ســـر وراء القمـــع | |
ســـر وراء القمـــع
تفاجأ الجميع بقرار منع وقمع التظاهرات الذي اتخذته أعلى سلطة في البلاد بتاريخ 25 ماي الماضي، وذهبت التحليلات مذاهب شتى في محاولة فهم أسباب وخلفيات هذا الإنقلاب المفاجأ في موقف النظام من الإحتجاجات السلمية التي تخوضها حركة 20 فبراير، للمطالبة بإصلاح حقيقي، عميق ودقيق، تحت سقف الملكية البرلمانية، ينطلق من محاربة الفساد وينتهي بإسقاط الإستبداد. لن نخوض هنا في سرد ما أفرزته مثل هذه التحليلات من نتائج تعبر عن تخمينات أكثر منها حقائق، لأن من ينطلق من مقدمات خاطئة لا يمكنه أن يصل إلى نتائج صحيحة، مثله كمثل من يقف أمام الشجرة ويحدث الناس عن معرفته بالغابة التي لا يستطيع أن يراها في كليتها. لقد سبق وأكدنا في مقالة سابقة على هذا الموقع تحت عنوان "نادي الملوك العرب"، أن تغيرا على المستوي الجيوستراتيجي هو بصدد التشكل الآن في المنطقة العربية من الماء إلى الماء، خوفا على أمن إسرائيل واستقرار الأنظمة المستبدة الموالية لها، والمنخرطة بالكامل في مشروع الشرق الأوسط الأمريكي القديم الجديد.
وفي هذا السياق، ذكر موقع "فيلكا إسرائيل"، أن موفدا أمريكيا زار المغرب مؤخرا بشكل سري، وقال للسلطان ما مفاده: "أن أمريكا تدعمكم يا صاحب المعالي، وتدعم الإصلاحات التي وعدتم بتنفيذها.. لكننا ننصحكم بالإسراع في عملية الإصلاح لكي يشعر الشعب بجديتكم، لأن أي تأخير في تنفيذها يمكن أن يكون كارثيا على الأوضاع في المملكة، الأمر الذي سيؤثر على موقفنا الحالي.. ذلك أن أمريكا من جهة لن تسمح بسقوط نظام ملكي في العالم العربي لأن من شأن هذا الأمر أن يكون له تداعيات على الأنظمة الملكية الأخرى الموالية لواشنطن، ومن جهة أخرى ستجد أمريكا نفسها مضطرة لدعم الشعب المغربي إذا تصاعدت الإحتجاجات تماما كما حدث في تونس و مصر". فأجابه الملك: " أطمئنكم أن الشعب المغربي معي ويدعم اتجاهاتي الإصلاحية، وأن الأوضاع في المغرب مختلفة عن بقية البلدان العربية، ذلك أن الملكية في المغرب متجذرة ولا خوف عليها.. وعلى أمريكا أن لا تنسى بأن المغرب كان البلد الأول الذي اعترف باستقلالها عن بريطانيا.. ونريد منكم أن تأكدوا لصديقنا أوباما شخصيا، أن المغرب جاد في الإصلاح، وأن الأمور مستقرة، وأنه ليس على أمريكا أن تقلق لناحية الأوضاع أو لناحية بقاء المغرب في حلف إستراتيجي مع الولايات المتحدة".
وللإشارة، فالحلف الذي يتحدث عنه السلطان، هو الذي انظم إليه المغرب بموجب معاهدة رسمية وقعت سنة 2002، بهدف محاربة الإسلام والمسلمين كونيا لفائدة إسرائيل مقابل دعم النظام الفاسد و حمايته.. لذلك ذكر الملك المبعوث الأمريكي بهذا المعطي الاستراتيجي، بالإضافة إلى تضحيات النظام المكلفة، وموقفه الثابت من سياسات أمريكا المتقلبة في العالم منذ استقلالها إلى اليوم، مرورا بالحرب الباردة وانتهاء بالحرب على الإرهاب. وإذا كان لسان الكلب هو ذيله، وذيل الملك هو لسانه، فإن ما قاله الملك للموفد الأمريكي يعتبر إشارة بلغة سياسية مضطربة، تعبر عن هواجس حقيقية يمكن ترجمتها كالتالي:
• خوف النظام في المغرب رغم المكابرة الظاهرة، مما قد تؤول إليه الأمور في حالة تصاعد الإحتجاجات الشعبية، واتخاذ أمريكا وأوروبا قرارا بدعمها، مما سيعني موت التحالف القوي القائم اليوم بين النظام المخزني والغرب، وفتح الحدود علي الإرهاب العابر للقارات، والهجرة السرية الإفريقية، وتهريب المخدرات بما فيها الأصناف القوية، ليتحول المغرب إلى كولومبيا جنوب المتوسط، وهي الورقة التي كان يهدد بها الراحل الحسن الثاني في عهده، كلما تصاعدت الأصوات الغربية المطالبة بمكافحة تهريب الحشيش، وإقامة مشاريع تنموية بديلة، لدرجة أن النظام أعلن صراحة أن مثل هذه الخطوة من شأنها تقويض عرشه وإنهاء عهده. • امتعاض واضح لدى الحكام العرب عموما من التصرف الأمريكي مع الثورات في كل من تونس ومصر، الأمر الذي زرع الرعب في قلوبهم، والارتياب الشديد من موقف الغرب تجاههم، مما جعلهم يفكرون في توسيع مجلس التعاون الخليجي ليضم المغرب والأردن، والذي اعتبر بمثابة رسالة واضحة وقوية مفادها، أن أي موقف أمريكي وغربي مفاجأ تجاه أحد النظم الملكية الإقطاعية والإرهابية القائمة، مثل ما حصل مع بن علي شرطي تونس ومبارك فرعون مصر، سيكون له تأثير سلبي طويل الأمد على علاقة أمريكا وأوروبا بحلفائها المخلصين من الناحية الجيوسياسية والإقتصادية والأمنية معا. وهذا ما يفسر صمت الولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي عموما على ما يحدث من قمع وقتل للمتظاهرين، وتدمير للمساجد، وتدنيس للمصاحف في البحرين، بعد أن حور الصراع عن سياقه السياسي والإجتماعي المحق، ليتخذ طابع الصراع المذهبي بين النظام السني المتصهين الفاسد، والشيعة الذين يمثلون أكثر من 70 في المائة من سكان الجزيرة الصغيرة، وهو الصراع الذي يخدم في بعده الإستراتيجي أمن إسرائيل على المدي الطويل كما صرح بذلك نتنياهو علنا أمام الكنيست، وحول إيران إلى عدو لدود للغرب والعرب بدل الكيان الصهيوني المغتصب.
• وعلى غرار ما وقع في البحرين، قرر النظام المستبد في المغرب اللجوء إلى العنف الوحشي الإستباقي لقمع احتجاجات حركة 20 فبراير السلمية، بدعوى ركـــوب جماعة العدل والإحسان، والإسلاميين المتطرفين، واليسار الراديكالي على مسيرات الحركة وفرض شعاراتها المناوئة للنظام (الشعب يريد إسقاط النظام)، وخوفا من أن تأخذ هذه الاحتجاجات المتصاعدة زخما يصعب التحكم فيه في حالة تعاطف الأغلبية الصامتة معها، وانضمام الشرائح الكبيرة العنيفة والحاقدة إليها، والتي تشكل أحزمة الفقر والعار المطوقة للمدن الكبرى للملكة، الأمر الذي يهدد بإحراق البلد، ويستحيل معه ضبط الأمن والمحافظة على الاستقرار بالوسائل والإمكانات المتوفرة للدولة حاليا.
• وبموازاة العنف الشديد والقمع الوحشي، وفي غياب إمكانية إشعال نار الفتنة المذهبية في المغرب لغياب الكون الشيعي المقابل، قرر النظام نشر مجموعة من الإشاعات الكاذبة والمغرضة ضد حركة 20 فبراير، ووصمها بكل التهم الممكنة والمتخيلة لتفتيتها من الداخل، كان آخرها عمالتها للخارج وتلقي التمويل من البوليساريو، وتعاطي الخمر والمخدرات، ومحاربة الإسلام، ومساندة انفصال الصحراء عن المغرب.. مع تحييد الأحزاب السياسية والتيارات الإسلامية بما فيها التيارات التكفيرية والجهادية التي لوحظ تبدل ملحوظ في خطابها تجاه الحركة، بالرغم من المواقف المشرفة والداعمة التي اتخذتها هذه الأخيرة في قضية السجناء السلفيين، وهو ما يؤشر بوضوح إلى دخول المخابرات المغربية الغبية على هذا الخط في الداخل كما في الخارج. كل ذلك، مع التركيز على الأسطوانة المشروخة التي ما فتئ يرددها النظام عبر أبواقه المأجورة، لمحاولة ضرب شرعية ومصداقية جماعة العدل والإحسان، التي تتهم بالسعي للركوب على الحركة لإسقاط النظام وإقامة نظام الخلافة الإسلامية، هذا في الوقت الذي تعلن فيه هذه الجماعة الشعبية الشريفة، أنها مجرد مكون من مكونات الحركة، وأنها تحترم سقف المطالب الشعبية المتمثل في ديموقراطية برلمانية، وتقبل رسميا بالدولة المدنية التي تضم كل مكونات الأمة، وتحترم التعددية السياسية والثقافية والحرية بمهومها المتعارف عليه كونيا. والذين يتهمون الجماعة اليوم بالسعي لإقامة نظام الخلافة، هم إما أقلام مأجورة تستند إلى أدبيات قديمة لم تعد متداولة، أو صحفيين حسني النية، لكنهم غير مطلعين على التحولات التي عرفتها الأدبيات السياسية للجماعة مؤخرا، وينطلقون في كتاباتهم مما ترسب في أذهانهم من الزمن البائد، أو متأثرين بالدعاية الرسمية والمغرضة الحالية.
هذه هي المعادلة الجيوسياسية الجديدة لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في المغرب ودول الخليج، ويعرف كذلك سبب رفض الأحزاب السياسية المسماة "وطنية" و "تاريخية" و "إسلامية معتدلة" الانضمام إلى شباب 20 فبراير للمطالبة بالتغيير. لأنه تم تحذيرها مسبقا من قبل حكومة الظل في قصر السلطان، بأن اللعب من تحت الطاولة سيكون له عواقب وخيمة لن تستطيع تحملها، وأن انخراطها في مشروع النظام سيفيدها من حيث لا تحتسب، ما دامت فقدت شرعيتها السياسية بالكامل ولن تحضي بأية فرصة في حال نظمت انتخابات حقيقية، نزيهة وشفافة بعيدا عن أعين الداخلية.
وهذا هو ما يفسر إسراع النظام في جدولة الاستحقاقات المقبلة، كالاستفتاء على الدستور الشكلي الممنوح في شهر يوليو المقبل، وتنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها في شهر أكتوبر من هذا العام دون الجماعية، لقطع الطريق على أي تطور سلبي قد يجهض مشروع النظام ويضرب شرعيته، وهو ما سيسمح له بإعادة إنتاج سلطة معاقة وممسوخة، بنفس المكونات السياسية التقليدية المدجنة، والتي تناهض التغيير لعلمها أنها لن تستطيع السباحة خارج بركة السلطان العفنة.
أما على المستوي الخارجي، فيذكر التاريخ القريب أن النظام الملكي الإقطاعي في المغرب، قد لعب أدوارا محورية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وكان من وراء اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، بعد أن غير قبلته تجاه تل أبيب لضمان ود وحماية الصهيونية في العالم، فباع القدس وتخلى عن بقية فلسطين، مثل ما باع المولى حفيظ مدينة سبتة للإسبان بمبلغ 13 مليون دولار في حينه، وفق ما تؤكده الوثائق العسكرية الإسبانية السرية. وتخلى عن موريتانيا عام 1961 دون تفويض من الشعب، بحجة عدم استطاعة النظام مراقبة كل هذه الحدود الشاسعة وضمان التنمية للجميع.
أما عن حدود المغرب الشرقية، فقد رفض النظام العرض الذي تقدمت به فرنسا لترسيم حدود هذه المنطقة بشكل بات ونهائي بعد الاستقلال، بحجة أن النظام يفضل تأجيل ذلك ليتم بشكل ثنائي متوافق عليه بعد استقلال الشقيقة الجزائر. ونتيجة لهذا الخطأ الاستراتيجي الغبي، تحولت هذه الحدود إلى بؤرة صراع دائم وتوتر مستمر، خاصة بعد حرب الرمال المتحركة سنة 1963، والتي كانت السبب الرئيس في عدم تفعيل اتحاد المغرب العربي، وتأبيد معضلة الوحدة الترابية المغربية التي استنزفت البلاد والعباد لأزيد من ثلاثة عقود، وأشياء أخري لا مجال لتفصيلها هنا...
واستمرت نفس السياسة الغبية في الصحراء الغربية، فبعد أن خلق النظام جبهة البوليساريو في بداية السبعينات من القرن الماضي، بسبب انتفاضة مجموعة من الطلبة المغاربة بكلية الحقوق بالرباط، للمطالبة بفتح باب المقاومة لتحرير وادي الذهب والساقية الحمراء من الإستعمار الإسباني، وسجنهم وتعذيبهم من قبل الجنرال الدموي أوفقير، هربت هذه المجموعة بعد خروجها من السجن إلى الجزائر، وتحولت بقدرة قادر إلى حركة إنفصالية تطالب بالحكم الذاتي في الصحراء. وبذلك، تحولت الصحراء الغربية إلى بقرة حلوب بالنسبة للنظام وجنرالاته الفاسدين، ودخلت على الخط الدول التي لها أطماع ومصالح إستراتيجية في المنطقة كالجزائر وأمريكا وفرنسا وإسبانيا، ليأخذ الصراع بعدا إقليميا ودوليا يستحيل حله في وجود هذا النظام الفاسد. ذلك أن البوليساريو، كانت في البداية تطالب بإسقاط النظام للإنضمام إلى المغرب، وعندما أدركت استحالة ذلك، اختارت الإنفصال.. ونفس المصير قد يتهدد الريف فى الشمال إذا لم يحصل سكان هذه المنطقة الثائرة على حقوقهم التاريخية والمشروعة، ويتم تعويضهم مع الاعتذار عمى صنعه الحسن الثاني بهم، يوم كان يقتل شخصيا الأبرياء ويدك مساكنهم بالقنابل المدمرة من طائرته وطائرات جنرالاته. وللإشارة، هناك اليوم أزيد من 30.000 مبحوث عنهم من مزارعي الخشخاش الذين هربوا إلى الجبال خوفا من الإعتقال، في حين لا يزال النظام يصدر لحسابه الخاص ما يزيد عن 13 مليار دولار من المخدرات إلى أوروبا سنويا، تحت إشراف وحماية المخابرات الغربية، مقابل تفاهمات وعمولات سرية.
لا نريد أن نسترسل كثيرا في المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع، ونكتفي بما سلف للإضاءة على ما يطبخ في كواليس القصر من سياسات خاطئة، الأمر الذي سيساعد شباب الحركة على فهم سياق مختلف التصريحات الرسمية التحريضية لتبرير ضرب حركة 20 فبراير، بعد أن فشلت عملية أركانة في إشاعة الخوف بين الناس، وقطع الطريق أمام أي إنخراط محتمل من قبل شرائح واسعة من المجتمع المدني والجماهير الشعبية لدعم مطالب الحركة، وإعادة خلط الأوراق بتركيز الإهتمام على الشأن الأمني بدل الإصلاحات، وهو ما فشل فيه النظام بشكل مريع يثير الشفقة. وسنعود في مقالة قادمة بحول الله لمعالجة مختلف هذه التصريحات، ووضعها في سياقها الحقيقي وفضح الخلفيات التي تنطلق منها.
لكن ما يهمنا هنا، هو القول أن النظام فشل في فرض معادلة العنف لضرب حركة 20 فبراير فشلا ذريعا، كما فشل في إشعال نار الفتنة لتفجير الحركة من الداخل. ولعل تحذير المبعوث الأمريكي المشار إليه أعلاه، وارتفاع أصوات منظمات وجمعيات حقوق الانسان المحلية والإقليمية والدولية المنددة بقمع النظام للاحتجاجات السلمية، ودخول الاتحاد الأوروبي على الخط من خلال رفع صوت التحذير، واستعداد الحزب الشعبي الاسباني لتحريك البرلمان الأوروبي ضد النظام الاستبدادي في المغرب في إطار تصفية الحسابات العالقة معه، وبعد سقوط شهيد الحركة الأول في مدينة آسفي، وسقوط جدار الخوف النفسي مع إصرار الحركة على التصعيد انطلاقا هذه المرة من الأحياء الشعبية التي ترعب النظام.. كل ذلك أرغم الملك على إعادة النظر في قراره الغبي وأسلوبه الهمجي، فتراجع منكسرا أمام إرادة الشعب التي لا تقهر، لتسجل بذلك هذه الحركة المباركة انتصارا نوعيا جديدا في معركة صراع الإرادات.. لكن الحرب ما زالت توعد بمعارك كر وفر قادمة، إلى أن ينخرط الملك رسميا في معركة إسقاط الفساد والاستبداد أو يسقط هو شخصيا مع الفساد والاستبداد.
وقبل أن نختم، نود توجيه نصيحة مفيدة للملك، عساه يعمل بها فيجنب نفسه السقوط المريع:
"إننا نعرف أنك رجلا شجاعا يا صاحب المعالي، اشتهر بحب أعدائه – كما أوصاه السيد المسيح – خاصة اليهود والحشيش والخمر والنساء.. لكن، ننصحك بأن لا تهيج البحر، إلا إذا كنت قادرا على انقاذ سفينة ملكك من الغرق".
• فهل وصلت الرسالة؟
| |
|