من السر إلى العلن، هل سينقذ نظام الاستبداد والفساد نفسه؟
واصل نظام الاستبداد والفساد تعنته وإصراره على البقاء . هذا التعنت وهذا الإصرار ، الذي تبرزه كل محاولاته في ترميم نفسه ، ومحاولة إزالة " المكياج " القديم على وجهه، الذي نسيت جدارا ته طلاءها ، ليضيف " بودرا " جديدة موهمة بالطراوة ، يأتي من موقع المبادرة . فنظام الاستبداد والفساد يعترف جزئيا بتدبير الشأن العام في كل مفاصل الدولة المغربية ، لكن ما يصر عليه وما يتعنت بصدده ، هو كونه ليس بالمسؤول الوحيد عن ذلك الفساد . انه يريد أن يحمل الجميع المسؤولية في محاربة الفساد ، وقد بادر إلى مجموعة من الإجراءات التجميلية، التي يريد منها أن تظهر " حسن نيته " فيما هو مقبل عليه .
كانت وضعية نظام الاستبداد والفساد قبل الدستور الممنوح الجديد ترتكز أساسا على الهاتف، وفي عتمات الكواليس . كان يعتمد شبكة من الوسطاء ، قد يكونون رسميين تابعين للدولة أو قد لا يكونون ، وكانت كل خططه لا يعلم بتفاصيلها غير القلة القليلة من أولائك الوسطاء .
أما اليوم، وبعد تمرير الاستفتاء على الدستور الممنوح الجديد، بالتزوير، صار نظام الاستبداد والفساد حاضرا علانية، وبشكل رسمي في وثيقة الدستور الممنوح الجديد. فإعادة دسترة الاستبداد ، ولأول مرة في تاريخ الدساتير الممنوحة بالمغرب ، تتم دسترة السياسة الاقتصادية للدولة ، وهي سياسة ليبرالية متوحشة ، تعتمد الفساد أساسا .سياسة شغلها الشاغل هو مراكمة الأرباح على حساب معاناة البشر مع المرض والفقر والجهل .
إن السياسة الاقتصادية للدولة المغربية هي سياسة تبعية للمركز الامبريالي ، بواسطة تلك السياسة تنهب الطبقة السائدة ، بمعية الرأسمال الأجنبي ، ثروات البلاد ، وتعامل المغاربة كالعبيد، يخدمون أسيادهم بتفاني وإخلاص .سياسة اقتصادية تعمم هشاشة الشغل ، لتكون شروط عمل الأجراء وعموم الطبقة العاملة وقود مراكمة الأرباح . أما مؤسسات الدولة فلن يفعل منها غير المؤسسات التي تمول ميزانية الدولة ، والمؤسسة الأمنية المتعددة الألوان والأطياف ، التي الدولة مجبورة على تجهيزها بأحدث وسائل القمع وبالإمكانات المادية الضخمة ، وذلك لان الرأسمال الذي ينهب البلاد والعباد يحتاج إلى آلة قمع شرسة لمجابهة المسحوقين كلما استيقظوا .
لم يعد نظام الاستبداد والفساد في حاجة إلى عقد صفقات النهب في الظل ، فوثيقة الدستور الممنوح الجديد ، التي للامبريالية الفرنسية خصوصا يد فيها ،تسمح له اليوم بعقد تلك الصفقات علانية .فالسياسة الاقتصادية الدولية ليس فيها مكان للسيادة الشعبية . لقد باعت الطبقة السائدة أملاك الدولة لنفسها بدرهم رمزي، كما سمحت للرأسمال الأجنبي كي يكون قاطرة عملية نهب ثروات البلاد واستغلال العباد.تخلت الدولة، دولة الطبقة السائدة، عن كل ما كان مؤمما، ولم يعد المغاربة يتحكمون في أمنهم الغذائي والصحي والتربوي والثقافي والعقائدي. تحولوا في لعبة التبعية هذه إلى متسوقين عالميين . فقد انقطع دعم الدولة للقوة الشرائية لأغلبهم ، وأمام الارتفاع الصاروخي لسعر البترول بالسوق الدولية ، تفتر هذه القوة الشرائية، ويكتفي اغلب المغاربة بما يبقيهم على قيد الحياة ، من أكل وشرب وسقف متواضع يأويهم . يتيه اغلبهم في الاقتراض والاستجداء والتسول، والاعتقاد في الحظ، وتعاطي القمار بكل أشكاله ، باعتباره المنقذ من الأوضاع المزرية .
لقد رسم نظام الاستبداد والفساد نفسه بهذا الدستور الممنوح الجديد ، وعلى الجماهير الشعبية أن تدرك ، عبر نخبها السياسية ، أن هذا الدستور الممنوح الجديد ليس بدستور ديمقراطي وشعبي، كما بالدول التي تحترم إرادة شعوبها ، دستور يواصل سيرورة اغناء الأغنياء وإفقار الفقراء ، يضع اغلب المغاربة في وضع صعب أمام تكاليف الحياة ." دستور " يضيف إلى مقولة " دخل سوق راسك " الاستبدادية ، مقولة جديدة ، وهي " دبر راسك ".
كان بود نظام الاستبداد والفساد أن يصدق ولو نصف المغاربة طبخته الدستورية، لكن في رأي الأغلبية من المغاربة، ما أقدم عليه نظام الاستبداد والفساد من تزوير للاستفتاء، هو استخفاف واستصغار للشعب المغربي وتزوير لإرادته. كان بود ذلك النظام ذلك ، لكن صمود حركة 20 فبراير المجيدة وإصرارها على تحقيق مطالبها المشروعة والعادلة ، قد نغصت عليه فرحته واحتفاله بمعية رموز الامبريالية الدولية ، واحتسائهم أنخاب الانتصار على الشعب المغربي .
احسين 25/09/2011