أصدرت الأمانة العامة للدائرية السياسية لجماعة العدل والإحسان ، يوم الأحد 18 دجنبر الجاري ، بيانا فاجأ المتتبعين للشأن السياسي في المغرب تعلن فيها قرارها بوقف مشاركتها في الحركات الاحتجاجية التي تقودها حركة 20 فبراير . إذ لم يكن منتظرا من الجماعة اتخاذ الموقف إياه ،وفي هذا الظرف بالضبط . وسيكون لهذا القرار انعكاسات مباشرة على مسار ومستقبل حركة 20 فبراير والأطراف السياسية التي أسست كل رهانها على الحركة ، وخاصة الأحزاب التي قاطعت الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 واختارت التظاهر في الشارع لممارسة مزيد من الضغوط في أفق بناء "الملكية البرلمانية" . إن قرار الجماعة ستكون له امتداداته في الساحة السياسية على أكثر من صعيد ، سنعود لملامستها بعد التطرق لخلفيات هذا القرار ودوافعه . ذلك أن الجماعة سبق وقررت ، منذ الإعلان عن تأسيس حركة 20 فبراير ، أنها ستدعم الحركة وستشارك في مسيراتها الاحتجاجية وكل الأساليب النضالية التي ستقررها . بل إن الجماعة تجاوزت حدود الدعم والمساندة إلى الإعلان عن قرار استمرار حركة 20 فبراير إلى حين إسقاط الفساد والاستبداد . فما الذي حدث حتى تضطر الجماعة إلى الانسحاب من الحركة ولم تتحقق الأهداف المركزية التي راهنت عليها الجماعة حين قررت دعم الحركة والنزول بكل ثقلها لفرض قرارات تخص رفع سقف المطالب ، نقل الاحتجاجات إلى الأحياء الشعبية ، مقاطعة الانتخابات الخ ؟ إن بيان الجماعة يحمل إجابات دقيقة عن دواعي الانسحاب فيما سكت عن أخرى . بخصوص دواعي الانسحاب المعلن عنها في بيان الجماعة نجد التالي : 1 ـ إن الجماعة فقدت زمام التحكم في مسار الحركة ورسم آفاقها وتحديد مطالبها . فالبيان يشير إلى العوامل التي أفسدت على الجماعة خططها وإستراتيجيتها في استغلال الحركة كالتالي ( لكن الحركة حفلت بمن جعل كل همه كبح جماح الشباب، أو بث الإشاعات وتسميم الأجواء، أو الإصرار على فرض سقف معين لهذا الحراك وتسييجه بالاشتراطات التي تخرجه من دور الضغط في اتجاه التغيير الحقيقي إلى عامل تنفيس عن الغضب الشعبي، أو تحويله إلى وسيلة لتصفية حسابات ضيقة مع خصوم وهميين، أو محاولة صبغ هذا الحراك بلون إيديولوجي أو سياسي ضدا على هوية الشعب المغربي المسلم في تناقض واضح مع ما يميز حركة الشارع في كل الدول العربية). بالتأكيد أن الجماعة كانت لها أهدافها الخاصة لا تتقاطع مع الأطراف المشاركة في حركة 20 فبراير إلا في فيما يتعلق بالتظاهر والانضباط المرحلي لشعارات ومطالب لجان التنسيق المحلية التي عملت الجماعة على اختراقها ، ومن ثم التأثير على قراراتها ، لكنها فشلت ليقظة باقي مكونات الحركة ومؤسسيها الذين ظلوا متشبثين بالمطالب والأهداف التي تضمنها ميثاق تأسيس الحركة . أمام إصرار باقي مكونات الحركة هذا ، اضطرت الجماعة إلى فك ارتباطها بالحركة بعدما يئست من إحداث التغيير المطلوب على مستوى الشعارات والمطالب التي كانت الجماعة ترمي من خلالها إلى الدفع بالحركة نحو مواجهة مفتوحة مع الأجهزة الأمنية تستدرج هذه الأخيرة إلى ارتكاب أعمال عنف ضد المتظاهرين بغاية استغلالها لزرع مشاعر النقمة وتأجيج الغضب الشعبي الذي سيترجم إلى أفواج متزايدة تلتحق بالحركة حتى تتحول إلى ثورة شعبية على النحو الذي عرفته تونس ومصر وسوريا .لكن هذا الرهان فشل . 2 ـ العامل الرئيسي الثاني لقرار الانسحاب حدده بيان الجماعة في تمكّن النظام من إنجاح إستراتيجيته وسحب البساط من تحت أقدام حركة 20 فبراير ، وضمنها جماعة العدل والإحسان . وهذا واضح في بيان الجماعة كالتالي ( كان رد النظام المخزني الالتفاف والمناورة والخديعة، بدء بخطاب مارس الفضفاض والغامض، ومرورا بالتعديلات الدستورية الشكلية التي حافظت على الروح الاستبدادية لنظام الحكم، وبعض الخطوات الترقيعية في المجال الاجتماعي والحقوقي، ثم انتخابات مبكرة شبيهة بسابقاتها في الإعداد والإشراف، وانتهاء بالسماح بتصدر حزب العدالة والتنمية لنتائجها وتكليفه بقيادة حكومة شكلية دون سلطة أو إمكانيات قصد امتصاص الغضب الشعبي لإطالة عمر المخزن وإجهاض آمال الشعب في التغيير الحقيقي وتلطيخ سمعة الإسلاميين، وإضفاء الشرعية الدينية على الإسلام المخزني الموظف للدين قصد تبرير الاستبداد). ويفهم من نص البيان ، أن النظام لعب بذكاء وتجاوز خطر الثورة دون أدنى خسائر . بل خرج أقوى مما كان عليه قبل اندلاع الحراك السياسي . الأمر الذي وضع الحركة والجماعة في حالة حرج والمنتظم الدولي يشيد بالتغيير الذي تحقق في المغرب ومدى قدرة النظام على التجاوب والانفتاح على مطالب الشعب وقواه الحية . لم يبق من مسوغ لتواصل الجماعة احتجاجها سوى أن تعلن صراحة أنها تريد إسقاط النظام ؛ الأمر الذي سيضعها في مواجهة مكشوفة ومباشرة مع النظام وبدون سند سياسي أو شعبي ، سيعجل بنهايتها . أما الأسباب التي سكت عنها البيان وكان لها دور في قرار الجماعة بالانسحاب،فيمكن الإشارة إلى التالي : أ ـ منذ منتصف شهر غشت ، بدأت عوامل التوتر داخل حركة 20 فبراير تطفو على السطح بين جماعة العدل والإحسان وحزب اليسار الاشتراكي الموحد . فقد أدرك مناضلو الحزب وقادته أن أهداف الجماعة غير أهدافهم ، وأنها تستغل الحركة لإسقاط النظام وإقامة نظام بديل. ففي محاضرة للأستاذ محمد الساسي ــ العضو القيادي في اليسار الاشتراكي الموحد ــ شدد على أن العمل السياسي والنضالي هو تعاقد حر وإرادي شبهه بركوب حافلة متجهة إلى وجهة ما افترضها مدينة طنجة وتحمل ركابا من مدن أخرى في نفس الاتجاه مثل سوق الأربعاء الغرب أو العرائش . ومن يريد النزول في أي مدينة أو محطة له الحق في ذلك ولا ينبغي أن يلزمه أحد بمواصلة الرحلة إلى مدينة طنجة أو ينحرف به سائق الحافلة من طريق آخر ليأخذه مباشرة إلى طنجة دون المرور على مدينة وجهته. وهي إشارة موجهة إلى جماعة العدل والإحسان التي تسعى لاختطاف حركة 20 فبراير والقفز على شعار الملكية البرلمانية . وهذا حال النضال من داخل حركة 20 فبراير الذي ينبغي أن يحترم قناعات الأطراف المشاركة ، ومنها اليسار الاشتراكي الموحد الذي يقبل بالملكية البرلمانية ولا يقبل بالجمهورية . يقول الساسي ( لا يمنعني أحد من النزول في مدينة سوق الأربعاء ويفرض علي الذهاب إلى طنجة . أنا باغي الملكية البرلمانية ، لما أصل إلى مدينة سوق الأربعاء = الملكية البرلمانية ، أنا سأنزل من الحافلة لأني وصلت إلى هدفي ) . وهذا ما سيؤكد عليه الأستاذ إبراهيم ياسين في عرض سياسي بمدينة سيدي سليمان ليلة 19 غشت 2011 لما نبه إلى أن النظام الجمهوري لا يكون بالضرورة ديمقراطيا ، إذ توجد جمهوريات ديمقراطية كما توجد جمهوريات أكثر استبدادا ؛ وبالمقابل ليس النظام الملكي دائما استبداديا إذ توجد ملكيات ديمقراطية وأخرى استبدادية .لهذا حذر من سعي جماعة العدل والإحسان والنهج إلى السطو على قرار حركة 20 فبراير ( هناك أطراف مشاركة في الحركة لها أهداف لا تعلنها .. دخلت على أساس الالتزام بقضيتين مركزيتين : برنامج الحركة والتظاهر السلمي ولكنها تسعى بطرق ذكية للاستيلاء على القرار في حركة 20 فبراير في كل مدينة وكلما أتيحت لها المناسبة . الآن هذا الاتجاه يسعى للخروج على الأمرين معا : البرنامج والتظاهر السلمي ) . إذن ، سيتصدى مناضلو اليسار الموحد لكل محاولات الجماعة خطف الحركة وفرض شعارات غير متفق حولها ولا تلتزم بالميثاق التأسيسي لحركة 20 فبراير . ب ـ اتفاق تنسيقيات حركة 20 فبراير ، في كثير من المدن المغربية ،على فك الارتباط بالجماعة ومنعها من المشاركة في نفس المظاهرات الاحتجاجية التي ينظمونها . وكان لهذا القرار أثره المباشر على الجماعة التي لن تستطيع التظاهر بمفردها وبدون الغطاء السياسي الذي توفره لها حركة 20 فبراير . فاقتصرت مشاركتها على بعض المدن كطنجة وآسفي والرباط والدار البيضاء . وأمام هذا المستجد ، لا يمكن للجماعة مواجهة "المخزن" بمفردها ومعزولة عن السند الشعبي/الشبابي . وقد حاولت فكانت خسائرها أكبر أقر بها البيان وإن لم يدرجها ضمن أسباب فك الارتباط كالتالي (وأرفق النظام كل هذا الخداع بحملات القمع والتشويه وبث الفرقة بين شباب ومكونات هذا الحراك، ونالت جماعة العدل والإحسان نصيبا وافرا من هذه الحملات). إذن ، الجماعة تدرك خطورة استفراد النظام بها ، خصوصا بعد الإصلاحات الدستورية والسياسية التي انخرط فيها المغرب وحملت حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية إلى السلطة . لهذا لا خيار لها سوى الانسحاب وفك الارتباط بحركة 20 فبراير التي فشلت الجماعة في تحويلها إلى حصان طروادة .للموضوع بقية . سعيد الكحل خلفيات قرار جماعة العدل والإحسان وقف مشاركتها في احتجاجات حركة 20 فبراير 2/2. إن قرار جماعة العدل والإحسان توقيف مشاركتها في حركة 20 فبراير ، وهي ــ أي الجماعة ــ التي التزمت ، منذ الإعلان عن تأسيس الحركة بدعم هذه الأخيرة والمشاركة في نضالاتها ؛ لا يمكن فهم القرار إلا في سياقه السياسي والإستراتيجية التي وضعتها الجماعة منذ نشأتها .ذلك أن الجماعة انخرطت بفعالية في حركة 20 فبراير وغذّت صفوفها بأفواج متزايدة من أتباعها بغاية تحويل الحركة من إطار للاحتجاج إلى نواة لثورة شعبية تعمّ كل مدن المغرب لإسقاط النظام على النحو الذي تم في تونس ومصر . فالجماعة انخرطت في الحراك الشبابي ليس من أجل التأسيس للملكية البرلمانية ، وإنما لإقامة نظام بديل . فهي صاحبة مشروع مجتمعي وسياسي يناقض كليةً المشاريع التي تناضل من أجلها باقي القوى السياسية الديمقراطية . وحين تأكد للجماعة أن حركة 20 فبراير عصية على الاختطاف والاستحواذ عليها والتحكم فيها ، قررت وقف مشاركتها معلنة ، على لسان بعض قيادييها أن الحركة استنفذت مهمتها . وهذا ما صرح به محمد اغناج لقناة الجزيرة يوم 19/12/2011"إن حركة 20 فبراير ، بالنسبة لنا ، استنفذت الممكن لها في الظروف التي تشتغل فيها . نحن نبحث عن تحول نوعي في الاحتجاج وفي المطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ). فالجماعة راهنت على احتجاجات شباب الحركة من أجل تحقيق هدف محدد شدد عليه بيان توقيف نشاط الجماعة كالتالي (وكان شباب وشابات الجماعة، تقبل الله من الجميع، في مستوى اللحظة حيث حرصوا على تغليب مصلحة الحراك تقوية للعمل المشترك وتعزيزا للثقة وتوجيها للجهود إلى أصل الداء: الاستبداد المخزني المستأثر بالثروة والسلطة). إذن ليس الهدف هو الإصلاح من داخل النظام كما تنص شعارات الحركة وكذا ميثاقها التأسيسي ، وإنما استهدافه من الأصل . إذ حتى والجماعة تقرر توقيف مشاركتها داخل الحركة ، فإن بيانها شدد على أمور غاية في الخطورة ، وهي : - دعوة المنتظم الدولي إلى فرض حصار على النظام بهدف إضعافه بعد أن فشلت الحركات الاحتجاجية التي فجرها الربيع العربي ( دعوتنا المنتظم الدولي إلى الكف عن دعم أنظمة التسلط التي تتصدى لحق الشعوب في الحرية والكرامة والعدل،فالآليات الديمقراطية كل لا يتجزأ، وصيانة المصالح المشتركة لا تتم إلا في ظل حكم راشد يسنده شعب يملك الكلمة الأولى والأخيرة في تدبير شأنه العام). إننا أمام خطة جديدة تروم تدويل صراع الجماعة مع النظام والاستعانة بالغرب الذي ظلت الجماعة تتهمه بمحاربة الإسلام والمسلمين . - تشبث الجماعة بتشكيل تحالف من أجل إسقاط النظام ( تأكيد دعوتنا إلى حوار مجتمعي وميثاق جامع يوحد الصف ويجمع الجهود لبناء نظام عادل ومغرب تتساوى فيه الفرص وينعم فيه الجميع بحقوقه وتوظف فيه كل ثرواته لصالح المغاربة في كل ربوع المغرب). مما يدل دلالة قاطعة على رفض الجماعة الانخراط في مسلسل الإصلاح السياسي والدستوري الذي يعرفه المغرب . بل إنها تسعى لإفشال هذا المسلسل . ـ الثبات على الأساس العقائدي الذي يمنع الجماعة من مصالحة النظام ويحرضها على إسقاطه ( ثباتنا على مبادئنا في الدفاع عن حقوق هذا الشعب المستضعف بكل الوسائل المشروعة في وجه الظلم والقهر والاستبداد والفساد، إلى أن تتحقق سنة الله سبحانه في القوم الظالمين). فالجماعة لن تقبل بمحاورة النظام ولا بتأسيس حزب سياسي يعمل من داخل المؤسسات الدستورية ؛ والمانع في هذا الاعتقادُ التالي ( لقد علمتنا سنة الله في التاريخ أن الأنظمة التسلطية تستطيع أن تناور وتمكر وتكسب بعض الوقت، لكن الأكيد أن موعود الله لا يتخلف وأن النصر متحقق للشعوب القائمة في وجه الاستبداد والجبروت) . إذن ، الجماعة قررت توقيف مشاركتها في حركة 20 فبراير لأهداف معلنة وأخرى مبطنة . ويمكن رصد أهما كالتالي : ـ الأهداف المعلنة : 1 ـ وقف النزيف الذي تتعرض له الجماعة بسبب حملة الاعتقالات وأشكال أخرى من العقاب والتضييق على أعضاء الجماعة . فقد أقر بيان الجماعة صراحة بهذا (ونالت جماعة العدل والإحسان نصيبا وافرا من هذه الحملات. ) . فالجماعة بقرارها هذا أرادت وقف الخسائر التي تستنزف مواردها البشرية والمادية ( قتيل ، محاكمات ، اعتقالات ، تشطيب من الوظائف الخ) . 2 ـ إعادة تنظيم أنشطة الجماعة بما يسمح لها باستثمار ما كانت تبذله داخل الحركة من جهد بشري ومالي دون عوائد سياسية وتنظيمية ، بل الجماعة خسرت بعض بريقها بسبب ممارسات منفلتة لبعض أعضائها ضد الفبراريات الإناث . فالجماعة تقدر أن هذا الجهد الضائع داخل الحركة كان أولى أن يستثمر لصالح الجماعة . 3 ـ الدعوة إلى تغيير أشكال النضال بما يسمح بإشراك الطامحين في التغيير ( دعوتنا كل الفضلاء إلى الاصطفاف إلى جانب القوى المطالبة بالتغيير ضد نظام مخزني عتيق أثبتت هذه المدة أنه مقاوم للإصلاح ومصر على الاستمرار بنفس العقلية والمنهجية الاستبدادية. ) ــ الأهداف الضمنية : 1 ـ رفض الجماعة أن تكون أداة ابتزاز وضغط . ذلك أن الجماعة أدركت أن أطرافا سياسية / حزبية باتت تستعمل حركة 20 فبراير ورقة ضغط لانتزاع مكاسب سياسية أو تحقيق مصالح ضيقة لا تخدم مصلحة الجماعة . فحزب العدالة والتنمية ، مثلا، لم يكف عن التلويح بالنزول مع حركة 20 فبراير إلى الشارع منذ بدء المشاورات حول تعديل الدستور إلى ما بعد تصدره لنتائج الانتخابات التشريعية . مما يدل على أن الحزب كان الرابح الأكبر إن لم يكن الوحيد من الحراك السياسي الذي قادته حركة 20 فبراير . فيما الجماعة كانت الخاسر الأكبر . بالإضافة إلى أحزاب يسارية أخرى إما قررت مقاطعة الانتخابات والالتحاق بحركة 20 فبراير أو قررت الخروج إلى المعارضة البرلمانية . وفي الحالتين معا يتم الرهان على حركة 20 فبراير . 2 ـ تقديم هدية مسمومة لحزب العدالة والتنمية الذي رفعت عنه حرج مواجهة الجماعة في احتجاجاتها من داخل حركة 20 فبراير . وهذا ما أقر به عبد الله بوانو ــ عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ــ لما اعتبر قرار جماعة العدل والإحسان، توقيف المشاركة في حركة "20 فبراير"، تحية خاصة من الجماعة لحكومة العدالة والتنمية. إلا أن هذه التحية هي بمثابة السم في العسل لأنها ستحرم الحزب من ورق ضغط هامة يستعملها عبد الإله بنكيران لتطبيق الإصلاحات التي يراها ضرورية من جهة ، ومن أخرى لمواجهة "جيوب المقاومة" التي ظلت تتصدى لكل إصلاح حقيقي . فاستمرار احتجاجات حركة 20 فبراير يقوي موقف حكومة العدالة والتنمية باعتراف عبد الله بوانو الذي أوضح، في تصريح لـ"هسبريس" أن الاحتجاجات "يجب أن تستمر لأنها مفيدة للعمل الحكومي وللتغيير في المغرب". 3 ـ إفشال الإصلاح الذي وعدت به حكومة عبد الإله بنكيران . ذلك أن الجماعة ترى في أي إصلاح سياسي يقوم به النظام ، إنما يكون( قصد امتصاص الغضب الشعبي لإطالة عمر المخزن وإجهاض آمال الشعب في التغيير الحقيقي وتلطيخ سمعة الإسلاميين، وإضفاء الشرعية الدينية على الإسلام المخزني الموظف للدين قصد تبرير الاستبداد. ). وهذا لن يخدم مصلحة الجماعة التي تراهن على الغضب الشعبي لتحويله إلى ثورة تزحف على الحكم . وهذا ما أفصح عنه حسن بالناجح ــ العضو القيادي في الجماعة ــ بقوله "لقد خرجنا من الحركة لأنها أصبحت تحقق مكاسب خاصة للنظام وبعض الأحزاب المغربية". ومن هذه المكاسب ، حسب بالناجح ،أن " أصبحت 20 فبراير متنفسا للنظام يسوق من خلالها صورة عن أن المغرب دولة ديمقراطية تستجيب لمطالب الشارع بينما الواقع شيء آخر". وأضاف أن حزبي العدالة والتنمية والإتحاد الاشتراكي (يسار) يحاولان تحقيق مكاسب خاصة من خلال الحركة وذلك لأن فوز العدالة والتنمية جاء ليمتص الغضب الشعبي الذي تجسد في الاحتجاجات التي قادتها 20 فبراير، ولهذا دعت أطراف من الحزب الإسلامي إلى استمرار نزول الحركة إلى الشارع للمطالبة بالإصلاحات "بالإضافة إلى الإتحاد الاشتراكي الذي اتجه إلى المعارضة ويراهن على 20 فبراير". هسبريس 23/12/2011 . فالجماعة ، إذن ، تريد ممارسة مزيد من الضغط على النظام والدفع بالأوضاع إلى الاحتقان ثم انفجار الغضب الشعبي . أكيد أن الجماعة لها إستراتيجيتها وحساباتها التي لا تتقاطع مع أهداف باقي الأحزاب السياسية . لهذا فهي تراهن على فشل تجربة حكومة العدالة والتنمية حتى تعم حالة اليأس ومشاعر الغضب بين المواطنين . وتلك هي اللحظة المثلى التي تنتظرها الجماعة من أجل إطلاق شرارة الغضب والعصيان كمقدمة للزحف على الحكم . لهذا لن تقبل الجماعة الانخراط في أي عملية تساهم في "امتصاص الغضب الشعبي"؛ وهذا ما أعاد التأكيد عليه فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة بقوله (ونحن نرفض أن نكون طرفا أو عاملا في إنعاش الاستبداد والفساد وإطالة عمرهما أو أن نكون حقنة من حقنه المهدئة . ولهذا أصبح استمرار الحركة بصيغتها الحالية أكبر خدمة للاستبداد والفساد . وتقديرا لمصلحة الشعب المغربي ولمصلحة الحركة نفسها اتخذنا قرار توقيف مشاركتنا فيها ) أخبار اليوم 24/12/2011