قرأة في حادثة انفجار اركانة بمراكش
في البدية أترحم على كل شهداء و ضحايا العمل الاجرامي الذين سقطوا في ساحة جامع الفنا بمطعم اركانة، اسمحوا لي بتوطئة عامة حتى يتسنى لي ابراز كل المعطيات اللازمة في أفق استخلاص النتائج المرجوة.
ان حادث اركانة يفكرنا بحادثة مشابهة ألا وهي احداث 16 ماي بالدار البيضاء وما تالها من احداث و ضحايا مادية و بشرية وما رفقاها من تعتيم و حجب للمعلومة و الحقيقة وراء الحدث المفجع، رغم مرور قرابة 8 سنوات و لهذا سأضطر للألقي الضوء علب بعض جوانب هذه الفترة لفهم ماجرى و ما كان المفروض أن يجري أنذاك.
كما يعرف جميع المتتبعين للشأن السياسي المغربي، أن الكل كان يتابع باهتمام شديد الاصلاحية السياسية و الاقتصادية في ظل بداية حكم محمد السادس و حكومة التناوب بعد الوعود السياسية التي أعطيت للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي للانتقال من مرحلة " المسلسل الديمقراطي " الى " مرحلة الديمقراطية " و ذلك باجراء اصلاحات سياسية و اقتصادية واسعة تاهل المغرب الى "الا نتقال الآمن "كما سماها الملك الراحل الحسن الثاني وذلك بعد أن اختار الرجال المناسبين في الأماكن المناسبة لهاته المرحلة الدقيقة بعدما تعهدوا القيام بواجبهم تجاه العرش و الوطن وهذا حسب ما سرب من تلك الرواية و الأجزاء الاخرى بقيت طي الكتمان الى يومنا هذا. وما صاحب هذا من اطلاق للمعتقلين و عودة المنفيين واطلاق مبادرة المصالحة وجبر الضرر مع اعطاء هامش من الحريات و ما الى ذلك.... دون أن ننسى في الجانب الأخر، تعثر تمرير قانون الارهاب في الغرفتين وما لقيه من رفض لدى أغلبية النواب و المجتمع المدني و نفس الشيئ حصل لمشروع مدونة الشغل التي تعثرت مرارا و تكرارا في الغرفة الثانية و طال أمد انتظارها من طرف الحكم لما تقدمه من امتيازات للباطرونا على حساب الطبقة الشغيلة في نسختها الأولى قبل تعديلها لعدة مرات ..
الا أن فوجئ الجميع، بأحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء وماتابعها من أعمال تخريبية وضحايا بشرية و مادية، كانت فرصة للأجهزة الأمنية وباقي المتربصين من أصحاب المصالح و ذوي النفوذ في العهد السابق ليكشروا على أنيابهم من جديد و يجهزوا على كل المكتسبات و التنصل من كل الالتزامات و هذا ما حصل تم اطلاق حملة الاعتقالات و المحاكمات بحجة أمن الدولة و استقرارها مستهدف من طرف الجماعات المتطرفة و الكل أصبح يقول في نفسه " أرسي يارسي " وبدأ العد العكسي وراح الانفراج بلا رجعة وأصبح الهاجس الأمني هو المحدد لكل الخيارات بعد 16 ماي ولم يبقى مجال لنقاش حول" الانتقال الديمقراطي " وبدأ التضييق على الحريات العامة، أما التيارات الاسلاموية وما يعرف بالسلفية الجهادية وكل واحد ينتمي او يتعاطف معها أو له صلة قرابة بهم فويل للمصلين..
أضف الى ما ذكر أن الأحزاب المغربية و نوابه البرلمانيين ليست لهم قاعدة جماهيرية فعلية باستثناء فئة محدودة لاتاثير لها في صنع القرار نظرا لفوقيتها ومعاملتها المناسباتي /عند كل ولاية انتخابية يتم اللقاء مع منتخبيهم فقط مع أخذ بعين الاعتبار ماحصل من تشققات وبلقنة لللأحزاب الكتلة و نقاباتها في هذه الفترة بالذات وبذلك دخلت في علاقة مصاهرة مع النظام وأصبحت جزء منه ، فكانت الفرصة سانحة للتصويت على قانون الارهاب و مدونة الشغل وبقي الوضع في تراجع دراماتيكي الى أن جاءت رياح التغيير من جيراننا تونس و مصر وبمبادرة شباب الفايسبوك لايخروج يوم 20 فبراير وبذلك نأسس لمرحلة جديدة لم تكن فيها أحزاب الكلاسيكية/ الكتلة طرفا فيها وقد استأزأ البعض بشباب 20 فبراير و الآخر لم يعر أدنى اهتمام لهاته الفئة لكون المغرب حالة خاصة كما يروج له منذ سنين عند بداية كل مرحلة.
الا أن بالفعل كان شباب 20 فبراير استثناء لقاعدة الأحزاب الكتلة و النظام رغم ما قامت به الأجهزة الأمنية من خطط و برامج مستهدفة النيل من عزيمة حركة 20 فبراير و التقليل من أهمية مطالبها و محاولة للتفاف عليها بعد أن فشل في قمعها في أول يوم نزولها وما سقوط عدة شهداء واعتقال العشرات و محاكمتهم بتهم ملفقة في محاكمات صورية تنعدم فيها الاستقلالية و النزاهة ومازال الملف مطروحا ويشكل عبئل على النظام زد على ذلك تطور أفقي و عمودي لنضالات شباب 20 فبراير في محطات متميزة كمسيرة موعد الكرامة ل20 مارس و مسيرة 24 أبريل التي تخطت كل التوقعات الرسمية و الغبر الرسمية بعد خروج بعض المعتقلين السياسيين و انضمامهم الى الحركة وتحرك أكثر من 103 مدينة و بلدة على الصعيد الوطني و ما مسيرة الرباط و طنجة و مراكش الا خير دليل على تعاظم و تنامي الحركة و تشبثهم بمطالبهم و على رأسها صياغة دستور جديد قوامه ملكية برلمانية وليس رفضين لجنة المنوني شكلا و مضمونا الى جانب مطالبة اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين و معتقلي 20 فبراير ومحاكمة الفاسدين، مع تهييئ و استعداد شباب 20 فبراير للدخول في اعتصامات الى حدود تحقيق مطالبهم الكاملة، وهذا ما أقلق بشدة الحكم و من يدور في فلكه من المفسدين و لهذا فالطرف الوحيد المستفيد من جميع الجوانب من حادثة تفجير مقهى ومطعم أركانة بمراكش هو الأخطبوط المخزني.
أولا: تم استهداف ساحة جامع الفنا لرمزياتها الدولية ووجود سياح أجانب كضحايا للضغط على المجتمع الدولي و السماح للحكم بقيام بحملة قمعبة تحت ذريعة "كل ما من شانه يمس بالمصلحة العليا للوطن".
ثانيا: ضرب وحدة الحركة وشرعيتها من الداخل نظرا للخلاف المفروض أن يكون حول ملابسات الحادث كما كان سابقا، بتوتر العلاقة و انفصال الاسلاميين عن باقي مكونات الحركة وخاصة اللائكيين .
ثالثا:اصلاح مايمكن اصلاحه من طرف الحكم وبمباركة محلية ودولية في ترقيع دستور الممنوح لسنة 62.
رابعا: اجتياز هذه الفترة العصيبة بامان ودون تقديم كثير من التنازلات لصالح الشعب وتفويت الفرصة على شباب 20 فبراير دون الدخول في مواجهات مجهولة الأفق.
خامسا:التعتيم الاعلامي الاحادي و تجاهل كل الاصوات المعارضة وما اعتقال رشيد نيني الا ضحية لهذا السناريو الذي لم يكتمل يعد
وبهذ اختم قراتي المتواضعة في احدث تفجير مطعم أركانة الذي هو من تدبير حكم المخزني ومن يدور في فلكه من المفسدين الذين لهم مصلحة في ابقاء الأمور على ماهي دون أي تغيير جذري يذكر... وما تجربة زين العابدين في تونس ومبارك في مصر الا خير دليل على ذلك.....
